الجمعة، 21 ديسمبر 2012

ضمانات المتقاضي امام القضاء

لا يمكن باي حال من الاحوال  الحديث عن العدل والانصاف والامن والامان والاستقرار دون وجود قضاء بخير ، ولن يتأتى ذلك الا اذا تورت للمتقاضي ضمانات تمكنه من محاكمة عادلة، لهذا في اطار فلسفة حقوق الانسان في التشريع الاسلامي ، فان المتقاضي في ظل الشريعة يتمتع بضمانات لم يصل اليها ارفع القوانين والانظمة  الوضعية، لان الخطاب فيها يتوجه الى القب والعقل ويركز على الايمان لانه المحرك الاساس والمصدر الوحيد لصيانة الحقوق والواجبات .
لهذا يعد الكتاب الذي بعثه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى ابي موسى الاشعري اروع الكتب لانه ضمنه ارقى ضمانات التقاضي ، لهذا فهي  تتضمن الاجراءات التي تجعل المتقاضي يتمتع بمحاكمة عادلة وهذه الضمانات  هي:

1- المساواة بين الخصوم:

ا المساواة بين الخصوم تعتبر احد المبادئ التي ركز عليها الاسلام ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى:( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)، فالدارس للتاريخ الاسلامي يلمس حقيقة المساواة بين الخصوم بكل معانيها ، فقد روي ان ارجلا اشتكى علي بن اب طالب الى عمر بن الخطاب عندما كان خليفة للمسلمين، فنادى عمر الامام علي بعبارة "يا ابا الحسن" ونادى الخصم بإسمه ، فغضب علي، فقال له عمر : لماذا غضبت، هل لأنني ساويتك مع الخصم؟ فقال له : لا و لكن كنيتني وام تكنه.
وتتجلى مظاهر المساواة بين الخصوم في الشريعة الاسلامية في عدم تقديم قضية في دورها عن قضية، فلم يكن هناك شيء يسمى بجدول القضايا يعطي الاسبقية للنقيب، فالنقيب الاسبق، فالمحامي الرسمي، ثم المتدرب،ولكن يعطي الاولوية للقاضايا الاولى التي حظر اطرافها اولا، كما  يعطي الاسبقية للغريب المسافر للنظر في قضيته وذلك مراعاة لظروفه.
وفي اطار المساواة بين الخصوم على القاضي ان يساوي بين الخصمين في المجلس، فلا يجعل احدهما جالسا والاخر واقفا، ولا يعطي احدهما وسادة والاخر يجلس على الارض، فقد روي ان عمر بن الخطاب اختصما هو وابي بن كعب الى  زيد بن ثابت عندما كان قاضيا،فألقى لعمر بن الخطاب وسادة، فقال عمر: هذا اول جورك، وجلس  بين يديه ولم يجلس على الوسادة.

2- البينة على المدعي واليمين على من انكر:

 على القاضي ان يستند في حكمه الى الوسائل المتوفرة لديه والمنصوص عليها شرعا خيرا له من ان يسقط في الخطأ،فهذا علي بن ابي طاب يجد درعه التي سقطت منه عند يهودي فيرفع امره الى القاضي شريح يخاصمه في درعه، وفي اطار مبدأ المساواة سأل القاضي شريح اليهودي فيما يقوله امير المؤمنين؟ فأجاب بان الدرع درعه وما امير المؤمنين عنده بكاذب، فسال القاضي علي بن ابي طالب اذا ما كان له وسائل اثبات ، فكان لعلي شهادة ابنه واحد مواليه فرفضهما القاضي شريح لانهما من اقاربه وحكم لصالح اليهودي تاسيسا على قاعدة " حيازة المنقول سند للملكية" فما كان من اليهودي الا ان اقر بان الدرع لعلي بن ابي طالب ، فقد كان يمتحن عدالة الشريعة الاسلامية التي وجدها حقيقية، فأشهر اسلامه واكرم علي مثواه بإهدائه الدرع موضوع النزاع.

3- حق الدفاع:

على القاضي ان يوفر المجال للخصوم من اجل الدفاع على انفسهم وحقوقهم بكل حرية،وان يمكنهم من الوسائل الضرورية التي يكفلها لهم الشرع ، والى هذا المعنى يشير حديث رسول صلى اله عليه وسلم  لعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه : اذا اتاك الخصمان فلا تقضي للأول حتى تسمع ما يقوله الاخر، فانك اذا سمعت ما يقوله الاخر عرفت كيف تقضي، ان الله سيثبت لسانك وسيهدي قلبك" فما زلت قاضيا بعد,

4- الرجوع الى الحق فضيلة:

ان الحق قديم لا يبطله شيء والرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل، فعلى القاضي اذا تبين له ان قضائه لم يمن في موضعه يجب عليه العودة اليه وتصيحه، مادام الرجوع الى الحق فضيلة، وخصوصا في عصرنا الحالي على القاضي ان يتنازل على كبريائه  وان يرجع عن الباطل الى الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه.

5_ الشريعة الإسلامية تخاطب الوجدان احقاقا للحق: 

قد يكون قول احد الخصمين ابلغ من الاخر، فتتدخل الشريعة الاسلامية لتخاطب وجدان المتخاصمين وتنبههم الى الجزاء الذي يترتب على اخذ حق الغير كيف ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:  "انما انا بشر وانكم تختصمون الي ولع بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما اسمع فمن قضيت له من حق اخيه شيئا فلا يأخذ فانما اقطع له قطعة من نار

6- القاضي لا يحكم وهو غضبان:

ان مهمة القضاء تتطلب من االقاضي ان لا يحكم وهو غضبان ، لان حكمه وهو غضبان يزيل عن حكمه العدل والمساواة والانصاف، ويقف حاجزا امام وصول الحق الى اصحابه، فمع الغضب لا مـجال للتفكير الدقيق لهذا يستحسن للقاضي ان  لا يجلس للقضاء وهو غضبان ولا عطشان ، رحمة بنفسه ورحمة بالمتخاصمين.

7- اعتماد شهادة الشهود في مجال الدعوى:

ان شهادة الشهود هي احد الوسائل التي يعتمدها القاضي  لاثبات الحق الى اصحابه، لكن قبول الشخص كشاهد يحتم عليه ان لا يكون مقبوض عليه في شهادة زور سابقة ، او جلد او كانت له عداوة او بغضاء مع احد المتخاصمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم  يقول: "الا اخبركم بخير الشهداء؟ الذي ياتي بشهادته قبل ان يسألها ".

8- الاصل في الانسان البراءة الى ان يثبت العكس:

 الانسان اصله البراءة الى ان تثبت الادانة، لذلك فالضرورة تفرض على القاضي العمل بالقاعدة الاسلامية التي تقرر ان براءة الذمة استنادا الى ما جاء في الاثار عن اصحاب رسول الله والتابعين قولهم: " ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم، والخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة" لهذا على القاضي ان يستند في احكامه الى اليقين اعتمادا على قاعدة: اليقين لايرفع بالشك.

9- مبدأ عدم رجعية القوانين والعقوبات الجنائية:

زيادة على الضمانات الاساسية التي وردت في الكتاب الذي بعث به عمر بن الخطاب الى ابي موسى الاسعري، توجد ضمانة اخرى تدعم حماية  حقوق الانسان تتجسد في عدم رجعي القوانين والعقوبات الجنائية، لهذا فاله سبحانه وتعالى يقول:( وما كان ربك مهلكي القرى حتى يبعث في امها رسولا يتلوا عليهم ءاياتنا وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون) فهذا يدل على عدم جواز تطبيق القوانين الجنائية بمفعول رجعي في الاسلام، لانه وقت ارتكاب الجريمة  لم يكن معلوما ان الشريعة قد تطبق على هذا الفعل.
وخلاصة القول ان ولاية القضاء  تمثل احد الضمانات الاساسية في اطار فلسفة حقوق الانسان في التشريع الاسلامي،فمهما كانت قيمة النصوص المدونة وغير المدونة تكفل حماية حقوق الانسان  فلن تستطيع ذلك الا بوجود قضاء فعال ونزيه.
بالاضافة الى ذلك على القاضي ان يستحضر امامه العدل ولا شيء غير العدل،وان يحكم بما انزل الله  حتى لا يدخل ضمن دائرة الظالمين الذين رتب لهم الشرع جزاء جسيم وان لا يدخل ضمن القضاة الذين اشار اليهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ( القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجن، رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فاهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحق فهو في الجنة).

ليست هناك تعليقات

© جميع الحقوق محفوظة صفحات قانونية 2020 - حقوق الطبع والنشر | الناشر صفحات قانونية | سياسة الخصوصية