الاثنين، 3 يونيو 2013

المصادر التفسيرية للقانون الدستوري

تتجلى المصادر التفسيرية للقانون الدستوري  أساسا في القضاء  ( المطلب الاول)  بالاضافة الى الفقه(المطلب الثاني ) الذي يلعب دورا مميزا داخل المنظومة القانونية.                                                  
المطلب الاول : القضاء او  الاجتهاد القضائي 
      ان لفظة القضاء تأتي على معنيين احدهما يراد به الجهاز  الفني الذي يقوم على مرفق العدالة، والذي يتكون من مجموع المحاكم الموجودة في الدولة التي تتولى أمر الفصل في القضايا المطروحة أمامها؛ اي السلطة القضائية التي لها ولاية تطبيق القانون، ومعنى ثاني يقصد به مجموعة من الاحكام التي تصدرها المحاكم في النزاعات المطروحة عليها فيما يتعلق بالقانون الدستوري، والمعنى الثاني هو المقصود في دراستنا هذه، وكمثال فان القضاء يلعب دورا رياديا من الناحية العملية والتطبيقية في النظام الانجليزي، بحيث تحظى السوابق القضائية بأولوية كبير الى الحد الذي دعا البعض الى اعتبار القضاء في هذا المجال من المصادر الرسمية لهذه الدولة، وتتضح هذة الحقيقة على الاخص بمراجعة الدور الكبير، الذي قام به القضاء للحد من امتيازات التاج في صالح البرلمان، ولتامين الافراد على حقوقهم وحرياتهم الاسياسية ، وحسبنا ان نشير هنا الى ان مشروع الحقوق لسنة 1688، bill of rigts لم يكن فيما اورده من قيود على امتيازات التاج في الا مًسَجِّلا للمبادئ المقررة في السوابق القضائية الصادرة خلال القرن السابع عشر، ولهذا فهناك الكثير من المؤلفات الدستورية الانجليزية تعالج هذة السوابق القضائية، أما اغلب الدول الاخرى، فالقضاء فيها لا يعدو ان يكون سوى مصدرا تفسيريا شأنه شأن الفقه الدستوري، لأن ما تستقر عليه المحاكم و ما يتوصل اليه القاضي من خلال ممارسته للقضاء انطلاقا مما يعرض عليه من نوازل وأحكام، أمر لم ترد في شأنه قاعدة في المصادر الرسمية ولا يعتبر ملزما من الناحية القانونية، لهذا نجد ان القاضي الدستوري يعتبر  الحارس الامين للقواعد الدستورية حيث يتصدى لكل محاولة للمساس باحكامه من خلال القرارات الدستورية التي ينتجها بصدد فحص احالة او طعن دستوري امامه، والتي من خلالها يحدد العلاقة التي تربط بين الوثيقة الدستورية ومستعمليها[1]، ولقد كان لقضاء المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية دور كبير في مجال القانون الدستوري خاصة فيما يتعلق بتفسيراحكام الدستور، والرقابة على دستورية القوانين التي تعتمد المراقبة من طرف المحاكم، بحيت تستطيع أي محكمة ان تقضي في الامر بعكس ذلك ولو كانت من أول درجة، كما يعتبر القضاء مصدر للقانون الدستوري في حالة ما اذا وضع المشرع الدستوري ما استقر عليه القضاء في الدستور، واذا كانت هذه المبادئ لا تملك سلطة الالزام فان توافقها مع المنطق القانوني السليم  يكون حافزا للمحاكم وخاصة ا لدنيا منها على الأخد بها والاسترشاد بها بمناسبة اصدار الأحكام في القضايا المماثلة لقضايا القانون الدستوري، واذا استقرت المحاكم على هذا النحو انذاك يمكننا الحديث عن نشأة الاجتهاذ القضائي الدستوري كمصدر للقاعدة القانونية من الناحية المادية في انتظار تبني المشرع واعتماده في الوثيقة الدستورية.                                                                                      و الجدير بالذكر ان الاجتهاد القضاء الدستوري في المغرب لا يعدو ان يكون من المصادر التفسيرية، وذلك على اعتبار ان المغرب من الدول التي تتبع المناهج والنظم القانونية الجرمانية مثل المانيا وفرنسا التي ينتسب اليها النظام القانوني المغربي، اذن احكام القضاء التي تم الاستقرار عليها قد تفيد المشرع في استلهام بعض القواعد القانونية الجديدة، او يستعين بها في تقنين بعض المبادئ التي أصبحت مُسَلَّمٌ بها الى  درجة تفرض امر تحويلها الى تشريع، كما ان احكام القضاء قد تفيد المشرع في ملئه لبعض الفراغ التشريعي الذي تشير اليه هذه الاحكام، فتكون خير معين للمشرع من اجل المبادرة بتصحيح هذا الخلل وتدارك هذه العيوب بواسطة تعديل التشريع او الغائه، لذلك يختلف القضاء عن الفقة في كيفية استنباطه للقواعد الدستورية، فالفقية يفترض الاحتمالات ويقترح لها المناسب من الحلول فهو يستبق الاحداث ويساير التطور وينشىء بذلك نظريات عامة فالعمومية هي طابع الفقة اما القضاء فيقنع بأن يعيش في القضايا المعروضة عليه ويسعى الى الفصل فيها – عن طريق اجتهاده احياناً- فاذا كان الفقه يمثل الناحية العملية  للقانون الدستوري  فان القضاء يمثل الناحية العملية او التطبيقية فية، واشارة بسيطة فقد قال ابن القيم الجوزية قولاً جميلاً بخصوص المقارنة بين الفقه والقضاء :  
" ان فتوى الفقيه شريعة عامة تتعلق بالمستفتي وغيرة اما الحاكم (القاضي) فحكمة فردي لا يتعدى الى المحكوم علية والمحكوم له "[2]
   المطلب الثاني:الفقه الدستوري.
     الفقه هو مجموع الاراء والاحكام القانونية التي يتوصل اليها فقهاء القانون من أساتذة الجامعة والمحامين والقضاة وغيرهم من الباحثين القانونيين، وذلك عند شرحهم وتحليلهم وانتقادهم لقواعد القانون عامة والدستورية منها خاصة، او من خلال التدريس بالجامعة ، او في اطار الندوات واللقاءات العلمية، او من خلال ما ينشر لهم من مقالات ومؤلفات، مما يجعله مصدرا من مصادر القانون الدستوري، وكذلك فيما يقدم من دراسات وأبحات تنصب على تفسير التشريعات وابداء الرأي في مطابقتها للحاجيات الاجتماعية أو عدم مطابقتها لها.                                                 
     فالحقيقة أن دور الفقيه ومهمته هي البحث في أصل القانون الدستوري ومدى قوته الملزمة ونطاق تطبيقه على الأشخاص، وسَرَيَانِهَا من حيت الزمان و المكان، والأثار المترتبة على مخالفتها والنتائج المترتبة على تنفيدها، فالفقه في الوقت الراهن أضحى  مصدرا تفسيريا استثنائيا بالنسبة للقانون الدستوري، لأن قوته  قوة أدبية فقط، على اعتبار ان مهمته هي  شرح الدستور وعرض أحكامه وابداء الأراء التي تنير السبيل أمام كل من المشرع والقاضي، فالقاضي قد يأخد في أحكامه بقواعد يستمدها من تفسيرات الفقه و شروحه، والمشرع كثيرا ما يلجأ في وضع القانون الدستوري أوتعديله الى الاخذ بأراء الفقه والاقتراحات المُقَدَّمة من طرف الفقهاء، ويتضح من خلال استقرائنا للفقه الدستوري انه يأتي على نوعين اساسيين: فقه انشائي وفقه تفسيري.                                                      فالفقه الانشائي هو ذلك الفقه الذي يعالج مسائل دستورية خاصة تتعلق  بنظام الحكم على نحو معين،وبعد ذلك يتم اعتمادها من طرف الدول من خلال التنصيص عليها في الدساتير، مثل مبدأ العقد الاجتماعي، ومبدأ سيادة الأمة الذي نادي به  جون جاك روسو، ومبدأ الفصل بين السلطات الذي نادى به الفقيه الفرنسي مونتسكيو في كتابه روح القوانين.                  في حين نجد ان الفقه التفسيري يقتصر دوره على مجرد تفسير النصوص الموجودة سواء أخذ بالظروف السياسية في البلاد اثناء محاولة تفسيرهذه النصوص أم لا، وعليه فان هذا الفقه يبقى دوره وأهميته محصور فقط في تفسير النصوص الدستورية الغامضة و لا يزيد الى أي حد على هذا الشيئ الذي يقوم به عادة



 علي الحنودي ، مدخل الى القانون العام ، مرجع سابق ،ص127[1]
  اسماعيل مرزة مبادىء القانون والعلم السياسي ،دار الملاك للفنون والاداب والنشر، بغداد  الطبعة الثالثة 2004 ص40 .[2]

ليست هناك تعليقات

© جميع الحقوق محفوظة صفحات قانونية 2020 - حقوق الطبع والنشر | الناشر صفحات قانونية | سياسة الخصوصية