الجمعة، 9 يناير 2015

مدرسة الدفاع الاجتماعي

     إن فلسفة مدرسة الدفاع الاجتماعي تنبني على البحث في دوافع الجريمة وأسبابها عن طريق علم الإجرام لكن بطريقة تخالف طريقة المدرسة الوضعية التي تذهب في رؤيتها إلى ارتكاب الجاني الجريمة بدوافع وأسباب غير إرادية أي أن المجرم مجبرا لا مخيرا.
      إن القانوني الايطالي كراماتيكا( Gramatica ) وهو بالمناسبة امتحن مهنة المحاماة ... ومن وجهة نظره فإن حصر المناقشة في الجبرية والاختيارية بين المدرستين الوضعية والتقليدية، وهو نقاش عقيم لا فائدة ترجى من ورائه وبدلا من ذلك فإنه يتعين التركيز على الظاهرة الإجرامية من خلال عناصرها الواقعية والاجتماعية دون إغفال الاعتماد على العلوم الإنسانية الأخرى.
     وهكذا فان الجريمة في نظر مدرسة الدفاع الاجتماعي ليست سوى تجليا من تجليات الحالة النفسية التي يشعر بها المنحرف ضد المجتمع الذي يعاني خللا واضطرابا في نظمه وقيمه، وهذا يعني أن المجتمع الغير السليم لا ينتج الأسوياء وان المجتمع الصالح هو الذي ينتج الصالحين، والمجتمع الصالح هو الذي ينتج الصالحين.
        فكل خلل في النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا وكان هناك خلل في أفراده يتولد عنه حقد ضد المجتمع يترجم من خلال الجرائم التي تتفاوت في خطورتها تبعا لتفاوت الخلل الاجتماعي.
    وأمام هذه التفسير للسلوك الإجرامي لا يبقى هناك مجال للحديث عن المسؤولية الجنائية لان مرتكب الجريمة يكون ضحية للبنيان الاجتماعي الغير العادل.
       وهكذا فان أنصار مدرسة الدفاع الاجتماعي يرون انه أمام انعدام المسؤولية الجنائية يتوجب استبعاد العقوبة المرتبطة بها.وهنا يحق لنا أن نتساءل عن السياسة الجنائية لهذه المدرسة ؟
  إن سياسة الجنائية لهذه المدرسة تتجسد في التدابير الوقائية أي القبلية والبعدية أي قبل ارتكاب الجريمة وبعدها.

    أما تلك التي تكون قبل الجريمة فهي المتمثلة في إصلاح النظم السياسية والاقتصادية والتربوية والصحية لأنه مع هذه الإصلاحات سيعيش الفرد آمنا بكرامته من حيث الحرية، ولوقاية المجتمع يجب أن تكون هناك تدابير وقائية قبلية تحمي الفرد من الظلم والقهر والطغيان وإذا توفرت هذه الإصلاحيات فهنا يأتي دور التدابير الوقائية اللاحقة والتي يجب أن تتوجه إلى إصلاح المنحرف وتقويم اعوجاجه مع التمسك التام بالحفاظ على كرامة الإنسان وعلى إنسانيته، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كانت هذه التدابير مستوحاة من التقاليد والأعراف البعيدة عن الصرامة والقسوة والهمجية .

ليست هناك تعليقات

© جميع الحقوق محفوظة صفحات قانونية 2020 - حقوق الطبع والنشر | الناشر صفحات قانونية | سياسة الخصوصية