مقدمة
يلعب القانون البنكي دورا هاما في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، التي تدور
حول النقود والائتمان، من خلال تنظيمه للمهنة البنكية، وكذا تحكمه في حركة النقود
والراسميل داخل السوق الوطني، وذلك من خلال مقتضيات قانونية تساهم في تخليق الحياة
الاقتصادية.[1]
ولذلك
يعتبر البنك القلب النابض في توزيع الائتمان الذي بدونه لا تستقيم الحياة التجارية
والاقتصادية، ويمكن تعريف البنوك بأنها المؤسسات التي تعتمد من أجل مزاولة كل أو
بعض الأنشطة المشار إليها في المادة الأولى من القانون رقم 103.12[2]
المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، والمتمثلة –الأنشطة- في
تلقي الأموال من الجمهور وعمليات الائتمان ووضع جميع وسائل الأداء رهن تصرف
العملاء أو القيام بتدبيرها، والأنشطة المتمثلة في المادتين 7 و16 من نفس القانون،
ويسمح للبنوك وحدها أن تتلقى من الجمهور أموالا تحت الطلب لأجل يقل أو يساوي عن
سنتين.[3]
واعتبارا
للدور الطلائعي للأبناك في مجال الائتمان كان لزاما أن تعتبر مسؤولة تجاه عملائها
والغير، مسؤولية مدنية تقتضي جبر الضرر الحاصل لهؤلاء الأخريين، وتبعا لذلك يتحدد
مفهوم المسؤولية المدنية في كونها التزام شخص بتعويض عن ضرر ألحقه بالغير سواء كان
هذا الالتزام محددا في نصوص أو غير محدد، وهي عقدية إذا وقع إخلال بعقد قائم بين
المخطئ والمتضرر، وتقصيرية تقوم إذا تم الإخلال بالتزام قانوني عام يوجب عدم إلحاق
ضرر بالغير.[4]
إن
المسؤولية المدنية للبنك لم تكن وليدة السنوات الأخيرة، بل هي مجرد تطبيق للقاعدة
التي مفادها أن كل شخص مسؤول عن الأضرار التي يصيب بها غيره، إما نتيجة عدم
التنفيذ العيني للالتزام الناشئ عن العقد، أو نتيجة الإخلال بالتزام قانوني.
وكانت
الإرهاصات الأولى لظهور المسؤولية المدنية للبنك بادية في قرار "لاروش"
الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 7 يناير 1976، وإن كانت هذه المحكمة قد
فرضت مجموعة من التعقيدات المسطرية لمتابعة المؤسسات البنكية[5]،
وتجلت المسؤولية المدنية للبنك في صيرورتها التاريخية في القسم السابع من الكتاب
الرابع المخصص للعقود البنكية في القانون رقم 15.95[6]
بمثابة مدونة التجارة الصادر سنة 1996، كما تجد المسؤولية المدنية للبنك تطبيقات
لها في القانون البنكي رقم 34.03[7]
لسنة 2006، المنسوخ بمقتضى القانون رقم 103.12 الذي يشكل آخر محطة في سلسة تقرير
المسؤولية المدنية للبنك.
وتتجلى
أهمية دراسة المسؤولية المدنية للبنك في حماية الائتمان الذي يمنحه هذا الأخير
للمتعاقدين معه، إذ يكون من حقهم في حالة خطأ من جانب البنك سبب لهم ضررا الرجوع
عليه بمقتضى المسؤولية المدنية، كما تظهر أهمية المسؤولية المدنية للبنك في كون
هذا الأخير يعتبر شخصا معنويا مهنيا ملقاة على عاتقه العديد من الالتزامات، يكون
الإخلال بها موجبا لقيام مسؤوليته المدنية، تأسيسا على قاعدة الضرر يوجب التعويض.
وهكذا فإن الإشكالية التي يتمحور حولها الموضوع
يمكن صياغتها على النحو التالي :
إلى أي حد استطاع المشرع
المغربي وضع تنظيم قانوني محكم للمسؤولية المدنية للأبناك ؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية عدة
تساؤلات من قبيل :
ما هي الأسس التي تقوم عليها
المسؤولية المدنية للبنك ؟
ومتى يكون البنك مسؤولا ؟ ومتى
يكون في حل من المسؤولية المدنية ؟
للإجابة عن مختلف الإشكالات
المطروحة سنقسم الموضوع إلى مبحثين :
المبحث الأول : الأساس القانوني
للمسؤولية المدنية للبنك
المبحث الثاني : تجليات
المسؤولية المدنية للبنك
المبحث الأول : الأساس القانوني لمسؤولية البنك المدنية
إن تحديد أساس المسؤولية المدنية يقصد به تأصيلها فنيا، ومحاولة ردها إلى
نظام من الأنظمة القانونية المعروفة، أو خلق نظام مناسب لها يمكن نسبتها إليه إذا
استعصى ردها إلى أي من هذه الأنظمة،[8]
وبتعبير آخر يقصد بأساس المسؤولية السبب الذي من أجله وضع المشرع عبء تعويض الضرر
الحاصل للمتضرر على عاتق شخص معين.[9]
ومن
أجل تحديد الأساس القانوني لقيام المسؤولية المدنية للبنك، فإننا سنعمل على تفكيك
هذا المبحث إلى مطلبين ؛ نسلط الضوء في (المطلب الأول) على مرتكزات المسؤولية
المدنية للبنك في شقها العقدي، على أن نبسط الحديث في (المطلب الثاني) عن دعائم
المسؤولية المدنية للبنك في شقها التقصيري.
المطلب الأول : مرتكزات مسؤولية البنك العقدية
من
الثوابت المسلم بها كون المسؤولية المدنية تأتي على ضربين ؛ فهي إما أن تكون
تقصيرية، أو تكون مسؤولية عقدية، وهذه الأخيرة تبرز فيها مسؤولية البنك بشكل كبير
على اعتبار أن جل المعاملات التي تتم بين البنك والعميل تكون في إطار عقود، ولهذا
ارتأينا في هذا المطلب دراسة صورتين تترجم فيهما المسؤولية العقدية للبنك بشكل جلي
ويتعلق الأمر ؛ بحالة وجود عقد صحيح يربط بين البنك والزبون (الفقرة الأولى)،
والحالة التي يكون يتحقق فيها الضرر نتيجة إخلال أحد المتعاقدين بالتزام عقدي
(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : وجود عقد صحيح بين أطراف العلاقة البنكية
ينص
الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود على أن : " الالتزامات التعاقدية
المنشاة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئها، ولا يجوز إلغاؤها إلا
برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون ".
فالقاعدة
إذن، أن العقد شريعة المتعاقدين أي أن المتعاقدين ملزمان باحترام العقد الذي
أبرماه كما لو كان الأمر يتعلق بقاعدة نص عليها القانون، فليس لأحد المتعاقدين أن
ينفرد بنقض العقد أو بتعديله، ذلك أن العقد ثمرة اتفاق تم بين إرادتين، فلا تستطيع
إرادة واحدة أن تهدم ما بنته الإرادتين معا.
ويعتبر
العقد الوعاء الذي تتم بواسطته مختلف المعاملات أو العمليات التي يجريها البنك مع
زبونه، ومن هذا المنطلق، فإن الضرورة تفرض على المتعاقدين أن يكون هذا العقد صحيحا
حتى ينتج آثاره القانونية. لذلك فإن غياب هذا العقد أو وجوده، لكنه كان قابلا
للإبطال وتقرر إبطاله أو كان باطلا، فلا يمكن الحديث عن وجود علاقة تعاقدية بعد
تقرير الإبطال أو كان العقد باطلا منذ الأصل، لأن البطلان عدم، وما بني على عدم لا
يمكن أن يرتب أي أثر وبالتالي، فلا وجود لأية مسؤولية تعاقدية.[10]
وهذا
المعطى أكدته المحكمة التجارية بمكناس في حكم لها رقم 339 الصادر بتاريخ
16/09/2003 في ملف رقم 306/02/4 جاء في إحدى حيثياته : " الاعتماد المزور لا
ينتج مسؤولية البنك المفترضة عن توفر مؤونة الشيك المعتمد وتجميده لفائدة الحامل
أو المستفيد ويسوغ للبنك رفض أداء الشيك لذلك السبب دونما مخالفة في ذلك لمقتضيات
المادة 242 من مدونة التجارة ".[11]
بناء على هذا الحكم لا يحق الرجوع على البنك قصد
مطالبته بالوفاء بمبلغ الشيك المعتمد زورا وتعويض الأضرار الناجمة عن ذلك.
ومما
يجب لفت الانتباه له، كون البنك وزبونه ملزمان بتنفيذ التزاماتهم المضمنة في العقد
بحسن نية، وبالتالي، كل إخلال من طرف المؤسسة البنكية بالتزام معين يجعلها مسؤولة
مسؤولية عقدية تجاه زبونها، بل وتعوضه نتيجة الضرر الذي لحقه.
الفقرة الثانية : تحقق الضرر نتيجة إخلال أحد المتعاقدين بالتزام عقدي
غني
عن البيان أنه لقيام المسؤولية العقدية للبنك يلزم توافر ثلاث عناصر ؛ تتمثل في
الخطأ والضرر والعلاقة السببية، فالخطأ وحده لا يكفي لقيام المسؤولية المدنية
للبنك، وإنما يجب أن يترتب على هذا الأخير ضررا يصيب العميل أو الزبون لأن تحققه
هو المحرك الأساسي لإقامة مسؤولية البنك، حيث يشكل التعويض على الضرر الهدف
الأساسي من سعي الأول (العميل) إلى ترتيب مسؤولية الأخير (البنك).[12]
إذن
فالضرر هو الصورة الملموسة التي تتمثل فيها نتائج الخطأ العقدي، وهذا يعني أن
الخطأ إذا لم يترتب عنه ضرر، فإنه لا مجال لإعمال قواعد المسؤولية العقدية،[13]
وبالتالي في الحالة التي يلحق الزبون ضررا نتيجة خطأ عقدي من طرف البنك، فمن حق
الزبون المطالبة بالتعويض، نظرا لإخلال المؤسسة البنكية بأحد الالتزامات الملقاة
على عاتقها.
وهذا
ما ذهب إليه المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) في قرار له صادر عن الغرفة
التجارية جاء فيه : "إن تجاوز أحد الشريكين في شركة مساهمة لصلاحياته
وانفراده بالتصرف في أموالها والحال أن القانون الأساسي لها المودعة نسخة منه لدى
البنك يلزم لسحب أموال الشركة توقيع الشريكين، مما يجعل البنك غير المحترم لذلك
متواطئا مع الشريك الآخر ومسؤولا عن
ذلك".[14]
وتعليقا
على القرار أعلاه، يتضح على أن المسؤولية في هذا المضمار مزدوجة الجانب فبالنسبة للبنك
عندما سمح للشريك بسحب أموال الشركة بتوقيعه لوحده فقط، يكون قد أخل بالتزام من
الأهمية بمكان سيصبح معه مسؤولا تجاه الشريك الاخر، على اعتبار أن النظام الأساسي
للشركة يتطلب ضرورة توقيع الشريكين معا حتى يتسنى لهم سحب أموال الشركة والتصرف
فيها، مما يجعل البنك مرتكبا لخطأ عقدي يستوجب ترتيب مسؤولية في ذمته جراء ذلك،
وبالتالي تعويض الشريك المتضرر، أما بالنسبة للشريكين فأساس المسؤولية هو عقدي.
غير
أن الإشكال يثار في الحالة التي يغفل فيها الأطراف تحديد التزاماتهما بدقة،
وبالتالي، فلا سبيل لتحديد المسؤولية المدنية للبنك إلا بإعمال قواعد التفسير[15]
التي تسعف في تحديد فحوى العقد. مع ضرورة أخذ القاضي بعين الاعتبار أن البنك مهني،
يقوم بالأعمال البنكية بصفة أساسية، وبالتالي ؛ فإن اختصاصه ومجال معرفته يفوق
نطاق معرفة الزبون الذي لا يكون من ذوي الاختصاص والخبرة، لهذا فإن الأبناك وفي
سبيل التخفيف من هذه المسؤولية تلجأ إلى إبرام اتفاقات مع الزبون للتخفيف من
مسؤولياتها العقدية وهي جائزة طبعا لأن مصدرها توافق الإرادة، دون أن يطال ذلك
الإعفاء الخطأ الجسيم أو التدليس[16]،
لذلك لا يجوز للبنك أن يشترط إعفائه من المسؤولية الناشئة عن التدليس أو الخطأ
الجسيم.[17]
وفي
الأخير تجدر الإشارة إلى كون البنك يعد معفيا من المسؤولية تجاه الزبون في الحالة
التي يكون فيها الضرر الذي لحقه، هو نتاج إخلاله - أي الزبون- بالتزام مصدره العقد
المؤطر للعلاقة التي تجمع المؤسسة البنكية بهذا الأخير.
المطلب الثاني : دعائم مسؤولية البنك التقصيرية
يقصد
بالمسؤولية التقصيرية تلك التي تنشأ عن الإخلال بالتزام قانوني أو ارتكاب عمل أو
فعل غير مشروع يحدث الضرر للغير، فيتعين على المدعي أن يثبت خطأ مرتكب الفعل الضار،
وأن يتبن كذلك وجود ضرر ترتب عن هذا الفعل ووجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر.[18]
ولهذا
سنحاول بسط المسؤولية التقصيرية للبنك من خلال فقرتين ؛ إذ سنفصل الحديث عن مسؤولية البنك الشخصية
(الفقرة الأولى)، على أن نبحث مسؤولية البنك عن فعل مستخدميه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : مسؤولية البنك عن الفعل الشخصي
تعتبر
المسؤولية التقصرية عن الفعل الشخصي من أهم مظاهر المسؤولية المدنية على الإطلاق،
ولقيام المسؤولية عن الفعل الشخصي فإنه يلزم توافر الأركان الثلاثة المعروفة وهي
الخطأ والضرر والعلاقة السببية[19].
وفي
إطار المسؤولية المدنية للبنك الخطأ هو إخلال البنك بواجباته المفروضة عليه طبقا
للقانون والعادات المهنية الصحيحة، فعندما يتعلق الأمر بنشاط مهني، فإن لكل مهنة
أصولا يتعين مراعاتها، يتمثل فيها الواجب العام منظورا إليه داخل الإطار الذي تم
فيه ممارسة هذا النشاط، ثم إن مقياس الخطأ في العمل البنكي حسب بعض الباحثين غير
مستقر، ولا يخضع لقواعد ثابتة وعامة، نظرا لطبيعة العمل البنكي وحيوية معاملاته،
لهذا من الصعب وضع معيار ثابت لدرجة الحرص أو معيار العناية التي يلتزم بها البنك
في جميع الحالات، بحيث إن لكل حالة ما تقتضيه وتتطلبه من فحص وتحقيق ومراقبة خاصة
بها، بمعنى آخر فإن البنك يكون ملزما بمراعاة قدرا من الحيطة والحذر تتناسب مع
ظروف كل حالة على حدة،[20]
وإذا لم يقم بذلك اعتبر مسؤولا عن الأضرار التي تصيب العميل متى أثبت هذا الأخير
أن الخطأ الذي ارتكبه البنك والضرر الذي أصابه بينهما علاقة وطيدة.
وإذا حاولنا إسقاط هذا النوع من المسؤولية
المدنية على البنك، فإن تطبيقاتها العملية تبرز في إخلال البنك بالتزام قانوني
سابق أو التزام تفرضه الأعراف السائدة في مجال ممارسة المهنة البنكية، ومن تم فإن
الخطأ المترتب عن الإهمال يمكن أن يرقى إلى مرتبة الخطأ المهني،[21]
إذ عادة ما تلجأ المحكمة إلى تقدير الخطأ بنوع من الشدة على أساس أن البنك مهني
وله دور في تنمية الاقتصاد الوطني، لذلك يكون لزاما أن يقاس الخطأ على ضوء السمات
الخاصة بالمهنة.
وفي
هذا الإطار، فإن مسؤولية البنك لم تعد محصورة في الالتزامات أو التعهدات العقدية
كمصدر حصري للمساءلة، بل أضحت الالتزامات المهنية والتي تنامت في كل القوانين
الحديثة ذات الصلة بالفلسفة اللاتينية أو الجرمانية مصدرا للمسؤولية البنكية،[22]
والأخطاء التي يرتكبها البنك وتعد من صميم مسؤوليته التقصيرية تتمثل في تقصيره
القيام بواجبات إجبارية، من قبيل القيام بواجب الاستعلام والمراقبة في الحالة التي
تقدم مثلا ائتمانا لزبونها.
فواجب
الاستعلام مثلا يفرض على البنك قبل منح أي اعتماد أو ائتمان لعميله، يتعين عليه أن
يكون محيطا بوضعيته وحالته المادية، وقدرته على تحمل الائتمان الممنوح له، ولهذا
يكون البنك مسؤولا تجاه الزبون والأغيار المتعاملين معه إذا ما ثبت أنه ارتكب خطأ
مهنيا تضرروا منه، لكن شريطة وجود إهمال من جانب البنك أدى إلى عدم التحري عن
الزبون طالب الائتمان وذلك بالاستخبار عنه شخصيا والتأكد من ملاءة ذمته.[23]
والواقع
أن العلانية القانونية أو العلانية المالية قد تشفي غليل البنك الذي يقوم
بالاستعلام عن المركز المالي للمدين أي عمليه، فبالإضافة إلى سجلات المحافظة
العقارية والتي تسجل فيها جميع العمليات الواردة على العقار المحفظ، فهناك السجل
التجاري الذي يتضمن جميع المعلومات الخاصة بالعمليات الواردة على الأصل التجاري،
فضلا عن السجلات الخاصة التي تمسكها كتابة ضبط كل محكمة والتي تسجل فيها عقود
الرهن المنصبة على بعض المنتجات والمواد أو التي يكون محلها أدوات أو معدات تجهيز.[24]
مما يجعل عملية استعلام المؤسسة البنكية عن وضعية زبونها سهلة، وربما هذا هو الذي
يفسر إثارة مسؤولية البنك التقصيرية في حالة عدم القيام بواجب الاستعلام، ما دامت
هناك وسيلة متاحة لذلك تتمثل في السجلات[25].
وقد
أقر القضاء المغربي مسؤولية البنك في حالة منح ائتمان لزبونه دون القيام بواجب
التحري والتقصي حول وضعيته المالية، إذ نجد المحكمة التجارية بفاس قضت في حكم لها
بأداء البنك عشرين ألف درهم مع الصائر بسبب عدم تثبته من صحة المعلومات المدلى بها
من طرف طالبي الحصول على دفاتر الشيكات تزود بها الأبناك الخاصة.[26]
هذا،
ويقع على عاتق المؤسسة البنكية أيضا في هذا الإطار واجب الرقابة، أي البنك ملزما
بتتبع ومراقبة زبونه، لأن منح الائتمان يقترن ببيان الغرض منه، على اعتبار أن
الوظيفية الائتمانية تقضي من البنك التأكد من تخصيص قيمة الاعتماد لتمويل عملية
معينة، وبالتالي، أي إخلال من البنك بواجب الرقابة واستعمال الزبون للائتمان في
عمل غير مشروع يرتب مسؤولية شخصية للبنك، يلزم معها تعويض الغير المتضرر.
وعلى
العموم فإن البنك يسأل على أساس المسؤولية التقصيرية، إذا كان الالتزام الذي تم
خرقه ليس التزاما عقديا، أو إذا كان العقد باطلا أو تقرر بطلانه، إلا أنه جرت
العادة أن يسأل البنك مسؤولية تقصيرية في مواجهة الغير طالما أنه لا يجمعه بهم أي
عقد، ذلك أن قبول البنك لمبالغ يعلم أنها مسروقة، يجعله مسؤولا مسؤولية تقصيرية
أمام مالكها، لأن ذلك يجعله مرتكبا لجريمة إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة،
فإذا تمت متابعة البنك من طرف النيابة العامة في إطار الدعوى العمومية، يجوز
بالمقابل لمالك الأموال المسروقة أن يلجأ إلى الدعوى المدنية التابعة ليطالب
بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية.[27]
كما
تسأل المؤسسة البنكية مسؤولية تقصيرية في مواجهة الغير في الحالة التي تكون فيها
الوديعة محل حجز ويقوم البنك بردها إلى المودع، إذ يتحمل مسؤولية ذلك في مواجهة
الدائن والحاجز طالما أن أمر الحجز يمنع البنك من رد الوديعة للعميل ويلزمه
بالحفاظ عليها إلى حين صدور أمر قضائي برفع الحجز.
الفقرة الثانية : مسؤولية البنك عن فعل مستخدميه
يعتبر
هذا النوع من المسؤولية خروجا عن المبدأ العام الذي يقضي بضرورة تحمل كل شخص
لنتائج أفعاله الشخصية، وباعتبار أن المسؤولية عن فعل الغير ما هي في الواقع إلا
حالات استثنائية لذلك فإنه يلزم أن يكون هناك سبب جدي ومعقول لتحمل الفرد لنتائج
أفعال الغير.[28]
وما
دامت للبنك شخصية معنوية، فإنه يسأل مسؤولية تقصيرية إذا كان الخطأ قد صدر من
ممثله أو وكيل عنه أثناء تأدية الوظيفة، باعتبار أن هذا الأخير يشكل جزءا لا يتجزأ
من كيان الشخص المعنوي، فيكون البنك مسؤولا عن هذه الأفعال ما دامت قد صدرت في
حدود ما لهؤلاء من سلطة العمل باسمه ولحسابه.[29]
وهذا ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بفاس في قرار لها جاء فيه: "
الاختلاس والسرقة الواقعين من موظفي البنك لا يتحمل مسؤوليته الزبون المختلسة
أمواله ولا يعد قوة قاهرة تحول دون رد المبالغ لأصحابها إذا كان بإمكان المستخدمة
التأكد من نسخة العمليات الواردة من مستخدمها
وفي رقابته وتوجيهه والإشراف عليه.
مسؤولية
المتبوع قائمة لوجود رابطة التبعية بين البنك ومستخدمه وارتكاب هذا الأخير لخطإ في
تأدية وظيفته أو بسببها محدثا ضررا للغير يؤدي إلى إلزامها بتعويض المتضرر تعويضا
كاملا عن الضرر اللاحق به والحكم القاضي بذلك واجب التأييد".[30]
وذهبت
محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في نفس السياق إذ جاء في قرار[31]
لها صادر بتاريخ 6/05/2003 : " لكن حيث إن أساس الدعوى هو خطأ مستخدمي
المستأنفة بقبول الشيكات في إطار عملية الخصم رغم أنها غير قابلة للتظهير وتحويل
قيمتها لغير الشخص المسحوب لأمره، إذ أن قبول الشيكات على هذا النحو كاف لقيام
المسؤولية المدنية...".
ورغم
أن هذه المسؤولية، تقوم على عنصري الخطأ والضرر، وليس على أساس الضرر وحده، فإن
القضاء المصري نحا إلى قيام مسؤولية البنك على أساس الضرر فقط، وقرر قيام هذه
المسؤولية رغم أن البنك لم يثبت خطؤه وألزمه بتعويض الزبون على الضرر اللاحق به،من
جراء قيام البنك بأداء قيمة شيك تم تزوير توقيعه على الزبون، وقد جاء في حيثيات
هذا القرار : " حيث إن البنك المسحوب عليه، لا تبرأ ذمته قبل العميل الذي عهد
إليه بأمواله، إذا وفى بقيمة شيك مذيل من الأصل، بتوقيع مزور عليه، إذ أن هذه
الورقة المقدمة إلى البنك، وقد خلت من التوقيع الحقيقي للعميل، يعوزها شرط جوهري
لوجود الشيك، ولم يكن لها في أي وقت وصفه القانوني، وتقع تبعة الوفاء بموجب هذه
الورقة على البنك المسحوب عليه، أيا كانت درجة إتقان التزوير، وتعتبر هذه التبعة
من مخاطر المهنة التي يمارسها البنك، وهي مخاطر مهما بلغت أعباؤها لا تتناسب البتة
مع المزايا التي تعود على البنوك،من دعم الثقة بها وبث روح الاطمئنان لدى جمهور
المتعاملين، وتحمل البنك هذه التبعة، مشروط بعدم وقوع خطأ أو إهمال من جانب العميل
الوارد اسمه بالصك، وإلا تحمل العميل تبعة خطإه..." ويتجلى من هذا الحكم أن
محكمة النقض المصرية أخذت بالمسؤولية الموضوعية، وعلى أساس فكرة المخاطر وتحمل
التبعية، وهو موقف سابق لمحكمة النقض الفرنسية. [32]
لكن
الإشكال يطرح بخصوص الحال التي يقوم فيها المستخدم بفعل خارج حدود السلطة المخولة
له، فهل يعتبر البنك مسؤولا عن هذا الفعل الضار ؟ وما طبيعة هذا الخطأ الذي يعتد
به لترتيب مسؤولية المؤسسة البنكية ؟
يرى
الدكتور "محمد جنكل" أن البنك يسأل عن الفعل الضار الصادر عن مستخدميه
وإن كان هذا الفعل خارجا عن إطار المهنة ما دام مرتبطا بها أو ارتكب بسببها.[33]
أما
فيما يخص طبيعة الخطأ الذي على ضوئه تقررت مسؤولية البنك، فإن الفقه انقسم بشأن
ذلك إلى مذهبين ؛ بين من يرى أنه يعتد بالخطأ حتى ولو كان يسيرا، بينما يؤكد آخرون
على أن الخطأ الذي يأخذ بالحساب في إطار إقرار مسؤولية البنك عن فعل مستخدميها هو
ذلك الخطأ الجسيم.
إن المعيار المعتمد من قبل
الفقه للقول بوجود خطأ من المستخدم يتحمل مسؤوليته الخادم الذي ـــــ هو في معرض حديثنا
المؤسسة البنكية ـــــ هو معيار التبعية ولا يهم بعد ذلك ما إذا كان الخطأ عمديا
أم غير عمدي، وهذا ما قال به الدكتور "مأمون الكزبري" الذي جاء في
حديثه عن خطأ المستخدم أنه يستوي في ذلك أن يكون هذا الخطأ عمديا أو غير عمدي
مادام الخطأ قد صدر من المستخدم بمناسبة أدائه لعمله، وتتميز مسؤولية المتبوع
بكونها مقررة بقرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس، أي أن المتبوع لا
يستطيع درء المسؤولية عن نفسه عن طريق إقامة الدليل على أنه قام بواجب الإشراف
والرقابة على أحسن وجه.[34]
ويبقى
أهم رأي في تأسيس مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه هو ذلك الذي يقيمها على أساس
الخطأ المفترض في جانب المتبوع والذي أخطأ في اختيار التابع أو أخطأ في المراقبة
والتوجيه.
ولقيام مسؤولية المتبوع عن
أعمال تابعه شرطين اثنين: يتمثل الأول في قيام علاقة تبعية بين المتبوع والتابع
وتوجيهه، بينما يتمثل الشرط الثاني في صدور خطأ من التابع بمناسبة أدائه لوظيفته،
وهكذا يتبين أن
مسؤولية المؤسسات البنكية عن الأفعال الضارة الصادرة عن مستخدميها هي مسؤولية
مفترضة لا تقبل إثبات العكس ما دام الخطأ صادر عن مستخدميها بمناسبة قيامهم
بالمهام المسندة إليهم من قبل المؤسسة.[35]
المبحث الثاني : تجليات المسؤولية المدنية للبنك
لقد
أصبحت مسؤولية الأبناك تمثل اليوم ضمانة ممنوحة للعموم، مقابل الثقة والخبرة
المهنية التي يتمتع بها البنك، فهذا الأخير اتسعت قدرته في مجال الائتمان اتساعا
كبيرا بفضل الخبرة الفنية ومقدرته على اجتذاب الزبناء، ودخول هؤلاء الأخريين في
علاقة مع المؤسسة البنكية يتم بواسطة العقود مما ترتب عليه إيجاد وسيلة لحماية
حقوقهم، فتم ابتكار فكرة المسؤولية المدنية هذه الأخيرة التي تتجسد في كل العمليات
التي تقوم بها، من هذا المنطلق ارتأينا تسليط الضوء على مظاهر المسؤولية المدنية
للبنك في بعض العقود، إذ سنبحث في (المطلب الأول) مظاهر هذه المسؤولية في إطار
الحساب البنكي، على أن نرجأ الحديث عن أوجه المسؤولية المدينة للبنك في عقد الخصم
إلى (المطلب الثاني).
المطلب الأول : مظاهر المسؤولية المدنية للبنك في إطار الحساب البنكي
إذا
كان من بين أهم المهام التقليدية التي تقوم بها البنوك هو تلقي الودائع من
الجمهور، فإن ذلك لن يتحقق إلا عن طريق فتح حساب بنكي لدى البنك المودع لديه،
وتختلف الحسابات البنكية باختلاف الحاجة أو غرض من طلب فتحها، ومدى استعداد البنك
للاستجابة لذلك، فقد يعمل البنك على ممارسة نوع من الانتقائية عند طلب فتح الحساب
البنكي، ولن يستجيب إلا للطلبات التي تتماشى مع مصالحه، وبالتالي، يرفض التعاقد مع
مجموعة من الأشخاص بدون مبرر، وقد يعمد إلى إقفال حساب بنكي أو تجميده، وهذا ما
دفعنا إلى بحث قيام مسؤولية البنك عند فتح الحساب ( الفقرة الأولى )، وكذا عند
إقفاله (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : قيام مسؤولية البنك عند فتح الحساب البنكي
من
المعلوم أن البنك ملزم من الناحية القانونية قبل فتح أي حساب بنكي التأكد من جملة
من البيانات المرتبطة بطالب فتح الحساب على اعتبار أن هذا الأخير يعد حقا لكافة
الأشخاص (أولا)، إلا أن البنك وفي إطار حماية مصالحه قد يعمد إلى رفض فتح حساب ما
(ثانيا)، فهل تنشأ مسؤولية البنك في هذه الحالة الأخيرة ؟ وما هي حدود مسؤولية
البنك عند قبوله فتح الحساب ؟
أولا : مسؤولية البنك عن الإخلال بواجب التحقق من المعطيات المدلى بها
يقوم
البنك بمناسبة فتح الحساب البنكي بإجراءات معينة يأتي في طليعتها التحقق من هوية
طالب فتح الحساب، على أساس أن هذه العملية ترتب بعض الآثار الحتمية، فالحساب يمنح
للزبون إمكانية سحب شيكات، وإصدار أوامر بالتحصيل لفائدته، وإصدار أوامر بالتحويل،
الأمر الذي قد يترتب عنه خطر خاص بالزبون أو بالغير يتمثل بالأساس في أن يسحب
الزبون شيكا بدون رصيد أو يعطي أوامر مزوره[36].
وفي هذا الصدد تلزم الإشارة أن الاتفاقية
المهنية المبرمة بين الأبناك المغربية المتعلقة بمحاربة الشيك بدون رصيد تلزم
المؤسسات البنكية عند فتح الحساب التأكد من هوية ومحل إقامة صاحب الحساب، بواسطة
الوثائق الرسمية[37].
وهذا
المعطى هو ما كرسه المشرع المغربي في المادة 488 من مدونة التجارة، حيث نصت على
أنه : " يجب على
المؤسسة البنكية، قبل فتح أي حساب، التحقق:
- فيما
يخص الأشخاص
الطبيعيين، من موطن وهوية طالب فتح الحساب بناء على
بيانات بطاقة تعريفه الوطنية أو بطاقة التسجيل بالنسبة للأجانب المقيمين أو
جواز السفر أو ما يقوم مقامه لإثبات الهوية بالنسبة للأجانب غير المقيمين؛
-فيما يخص الأشخاص المعنويين،
من
الشكل والتسمية وعنوان المقر وهوية وسلطات الشخص أو الأشخاص الطبيعيين
المخولين
إنجاز عمليات في الحساب وكذا رقم الضريبة على الشركات أو رقم السجل التجاري أو رقم
البتانتا ".
إذن
من خلال هذه المادة يتضح على أن المشرع المغربي وضع على عاتق البنك التزاما
بالتحقق من هوية الزبون قبل فتح الحساب، ويتم التحقق من هوية الزبون الذي قد يكون
شخصا طبيعيا عن طريق الإدلاء ببطاقة التعريف الوطنية إذا كان مغربيا، أو تقديم
بطاقة التسجيل إذا كان أجنبيا مقيما بالمغرب أو جواز السفر أو ما يقوم مقامها، أما
بالنسبة للشخص المعنوي فيتم التأكد من هويته عن طريق الإطلاع على عقد تكوينها
ومستند شهرها وفقا لأحكام القانون من الجهة المختصة بالشهر، وكذلك الصحيفة التي
نشر فيها عقد تكوين الشركة وذلك للتأكد من وجود الشركة وميلاد شخصيتها القانونية[38].
ونظرا لكثرة أعمال التدليس، واحتياطا من ذلك، فإن
البنك لا يكتفي بهذه الوسائل بل يتعدها إلى وسائله الخاصة من قبيل إرسال رسالة
مضمونة، فإن تسلمها الشخص فذلك دليل على صحة ما صرح به، ومن الأبناك كذلك من يرسل
أحد مستخدميه ليتأكد في عين المكان، وفي الأخير فللقاضي السلطة التقديرية في إثبات
أن البنك قام بواجبه في التحري،وبالتالي، انتفاء مسؤوليته أم لا[39].
يتبين
إذن، أن البنك يكون مسؤولا في الحالة التي يخل بواجب التحقق والاستعلام الذي يفرضه
عليه المشرع المغربي في المادة 488 من مدونة التجارة بمناسبة فتح الحساب، وطبيعة
هذه المسؤولية تستند إلى فكرة النظام العام البنكي، وفي هذا النطاق فإن جميع
الحالات التي يتم فيها إثارة مسؤولية البنك بسبب إخلاله بالتزام التثبت من هوية
الزبون تتعلق بالحالة التي تم فيها فتح حسابات سمحت للزبون باستخلاص شيكات مسطرة
مسروقة أو مفتوحة.
ثانيا : مسؤولية البنك عن رفضه فتح الحساب
البنكي
مما
لا شك فيه أنه قد يبدو في غير محله الحديث في موضوع يخص مدى حرية الأشخاص
والجماعات في قبول أو رفض إجراء المعاملات التجارية خاصة في بلد كالمغرب، الذي
تعتبر فيه حرية التجارة والصناعة من الركائز الأساسية للتوجهات الاقتصادية للدولة،
فالمتعارف عليه في بلدنا وفي البلدان ذات التوجه الاقتصادي الليبرالي، أن التاجر
يحتفظ مبدئيا بكامل حريته في إجراء المعاملات التجارية التي يرغب فيها، أو
الامتناع عن ذلك، وكذا اختيار الأشخاص الذين يكونون زبناء له فيما يقوم به من
عمليات[40].
صحيح
أنه ليس هناك أي نص قانوني يلزم البنك بفتح حساب بنكي لكل شخص راغب في ذلك من
عدمه، غير أنه يقابله في ذلك حرية المؤسسة البنكية في قبوله كزبون لها، وقد يتسبب
ذلك للزبون في أضرار[41]
على اعتبار أنه إذا كان من المستساغ تقبل النظرية القائلة بانعدام وجود أي حق
للزبون في الائتمان الممنوح من طرف البنوك والتي باستطاعتها من دون أن تعلل قرارها
بهذا الخصوص رفض إعطاء الائتمان لأي كان، فإن رفض البنك فتح الحساب البنكي لطالبه
المتوفرة فيه الشروط اللازمة لذلك، يبدو غير مقبول وذلك لمحدودية المخاطر التي قد
تنشأ عن هذا الحساب بالمقارنة مع تلك التي قد ينشئها منح الائتمان[42].
غير
أن ما يلاحظ من خلال المادة 150[43]
من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، كون
المشرع المغربي قد تجاوز الإشكال الذي يطرح بخصوص رفض البنك فتح الحساب البنكي،
أعطى للزبون إمكانية إرسال رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل إلى بنك المغرب يلتمس
فيها تعيين مؤسسة ائتمان يمكنه أن يفتح الحساب لديها.
فإذا
قام بنك المغرب بتعيين هذه المؤسسة ورفضت فتح الحساب للشخص المعني بالأمر فإنها
تبقى مسؤولة مسؤولية تقصيرية في مواجهته، وملزمة بتعويض الضرر اللاحق به من جراء
رفضها فتح حساب له[44]،
بل أكثر من ذلك فإن مبدأ حرية البنك في فتح الحساب من عدمه يتعارض مع بعض النصوص
القانونية التي تلزم فئات من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين بإدراج الأموال
الناتجة عن عمليات أو تصرفات معينة في حساب بنكي[45]،
مما يقتضي أن يتوفر هؤلاء المعنيون في هذه النصوص على حسابات إيداع لدى البنوك،
وإلا استحال عليهم الامتثال لما أمر به القانون في هذا الإطار، وكذا على المشرع
المغربي تحقيق ما توخاه من وراء فرض إيداع الأموال المترتبة على بعض العمليات
المعنية بالأمر في حسابات بنكية[46].
الفقرة الثانية : إثارة المسؤولية المدنية للبنك عند إقفال الحساب البنكي
من
أجل الوقوف على إمكانية إثارة مسؤولية البنك عند إقفال الحسابات، فإننا آثرنا
تسليط الضوء على الحالة التي يتم فيها إقفال الحسابات بإرادة البنك (أولا) نظرا
للإشكالات التي تثار بهذا الخصوص، على أن نبحث المسؤولية التي تقع على عاتق البنك
بعد إقفال الحساب (ثانيا).
أولا
: المسؤولية المترتبة عن إقفال الحساب بإرادة البنك
لقد
ألزم المشرع المغربي المؤسسة البنكية بمقتضى المادة503 من مدونة التجارة قبل إقفال
الحساب ضرورة إشعار الزبون بذلك، مع احترام الأجل القانوني المنصوص عليه في الفقرة
الثانية من المادة 525 من مدونة التجارة المتمثل في ستين يوما، وإذا لم تحترم
المؤسسة البنكية مقتضيات المادة 503 من مدونة التجارة، فإنها تتحمل المسؤولية عن
ما قد يلحق صاحب الحساب من ضرر جراء قرارها القاضي بإغلاق الحساب بمبادرة منها،
وهذا ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء حيث أقدم البنك على
إغلاق حساب بنكي لشركة دون إشعارها مما ترتب عليه ضياع حقوقها، حيث ذهبت المحكمة
إلى أن "...الضرر الذي لحق الطرف المدعي ثابت ويتمثل في الإغلاق التعسفي
لحسابه البنكي دون إشعار، وأن عدم احترام المؤسسة البنكية الالتزام الملقى على
عاتقها بموجب المادة 503 من مدونة التجارة [47].
إذ
يتبين أن البنك ملزم بإخطار زبونه رغبته في قفل الحساب بواسطة رسالة ثم انتظار
مرور أجل للتنفيذ قدره لا يقل عن ستين يوما ابتداء من تاريخ توصله بهذه الرسالة،
فتبليغ الزبون المراد قفل حسابه كتابة، وإمهاله مدة ستين يوما كما هو منصوص عليه
في المادة525 من مدونة التجارة شرطان أساسيين لكل قفل، وإلا اعتبر البنك مخلا
بواجبه تجاه الزبون وتحمل بذلك تعويض ما يلحقه من ضرر[48].
ثانيا: إمكانية مساءلة البنك بعد قفل الحساب
إن
إقفال الحساب البنكي للزبون لا يجعل البنك في منأى عن أي مسؤولية، بل يمكن أن تثار
المسؤولية المدنية في حدود ما نص عليه القانون، ألا وهي الحالة التي يمنع فيها على
البنك القيام بأية عمليات جديدة في الحساب (أ)، ثم الحالة التي يغفل البنك عن
مطالبة الزبون باسترجاع صيغ الشيكات (ب).
أ- منع القيام بأية عمليات جديدة في الحساب
يؤدي
إقفال الحساب البنكي إلى وقف جميع العمليات المتعلقة بديونه، فإذا تمت أية دفعت
بعد إقفاله فلا تدخل فيه، بل يعمد الطرفان إلى تصفيته لإبراز الرصيد النهائي الذي
يمكن أن يكون دائنا لأحد الطرفين ومدينا للطرف الآخر[49].
إن
تحديد الرصيد النهائي للحساب البنكي، الذي تم إقفاله لأي سبب من الأسباب لا يتوقف
فقط على إمساك الطرفين عن تقييد الديون المتبادلة في هذا الحساب ابتداء من تاريخ
إقفاله، إنما يقتضي الأمر لتحديد هذا الرصيد أن تتم تصفية العمليات الجارية بين
البنك وزبونه في تاريخ إقفال الحساب، هذه التصفية التي يتطلب إجراؤها مدة معينة
تتحدد بمرور الرصيد النهائي للحساب كما نصت عليه المادة 504 من مدونة التجارة[50].
إذن
يتبين أن البنك ملزم بضرورة الامتناع عن تقييد أي عمليات جديدة وفي حالة عدم
التزام البنك بهذا المقتضى فإنه يصبح مسؤولا تجاه الزبون الذي تم إغلاق حسابه.
ب- إغفال البنك
مطالبة الزبون باسترجاع صيغ الشيكات
إن
إقفال الحساب البنكي يعني نهاية العلاقة بين الطرفين ومن المفترض أن يطالب البنك
صاحب الحساب بإرجاع صيغ الشيكات التي بحوزته، لكن يذهب البعض إلى أنه لا يوجد سند
في القانون يلزم بالمطالبة بإرجاع صيغ الشيكات التي في حوزة وكلائه، وإن مطالبة
البنك للزبون بإرجاع صيغ الشيكات لا يكون إلا في حالة رفض هذه المؤسسة الوفاء بشيك
بسبب عدم وجود مئونة كافية لأدائه عند التقديم، ومن ثم فإن المؤسسة البنكية لا
تتعرض لأي جزاء نتيجة عدم مطالبتها صاحب الحساب المقفل بإرجاع صيغ الشيكات التي لم
يستعملها[51] سواء
الجزاء المنصوص عليه في المادة 319 من مدونة التجارة أو الجزاء المنصوص عليه في المادة 32 من نفس
المدونة. وهذا ما أكده قرار المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) الصادر في2005/05/25
حيث رفض تحميل المؤسسة البنكية المسؤولية عن وفاء شيك قدم لها بعد إغلاق الحساب[52].
لكن
هناك من يذهب إلى القول بأنه بالرغم من سكوت المشرع المغربي فيمكن الأخذ بما ذهب
إليه القانون الفرنسي بخصوص الشيك المرفوض ووفائه بسبب سحبه من حساب مقفل انطلاقا
من مقتضيات المادة 9 من مرسوم رقم 456-92 المؤرخ في 1992/05/22 المتعلق بتطبيق
قانون 16 يوليوز المنظم للشيك، وهي المادة التي يعتبر بمقتضاها رفض البنك وفاء
الشيك الصادر من طرف الساحب ذي حساب بنكي مقفل بمثابة رفض بسبب عدم وجود المؤونة
الكافية لأداء هذا الشيك، لكن هذا الشكل مشروط بضرورة تقديم الشيك للوفاء داخل أجل
سنة من تاريخ إقفال الحساب البنكي المعني بالأمر[53].
إذن
يتضح أنه في حالة إغفال المؤسسة البنكية مطالبة العميل الذي تم إقفال حسابه بإرجاع
صيغ الشيكات بالرغم من غياب النص القانوني المؤطر لهذه الحالة، إلا أنه تترتب
المسؤولية على عاتق البنك، لأن إصدار شيك على رصيد مقفل هو في حد ذاته جريمة إصدار
بدون رصيد.
المطلب الثاني : أوجه المسؤولية المدنية للبنك في إطار عمليات الخصم
تتفاوت
درجات المسؤولية المدنية للبنك في ظل عقد خصم الأوراق التجارية،[54]
فقد تكون مسؤولية مشددة وقد تضمحل هذه المسؤولية فلا يبقى لها مبرر قانوني.
وعليه،
فإننا سنعمل على استجلاء حالات قيام المسؤولية المدنية للمؤسسة البنكية (الفقرة
الأولى)، على أن نعرج في (الفقرة الثانية) على حالات انتفاء هذه المسؤولية.
الفقرة الأولى : قيام مسؤولية البنك في عمليات الخصم
تعتبر
عملية الخصم إحدى العمليات الائتمانية المباشرة التي تقدمها المؤسسات البنكية[55]
لفائدة زبنائها، وبذلك يعتبر البنك الجهاز الأساسي ضمن عقد الخصم[56].
ويتطلب
البحث عن تمظهر المسؤولية المدنية للبنك، الوقوف على مسؤولية البنك عند الإخلال
بواجب التحقق من هوية الزبون (أولا)، ثم تقصي المسؤولية عن خصم أوراق تجارية من
طرف شخص غير موكول له التصرف باسم الشخص المعنوي (ثانيا).
أولا
: مسؤولية البنك عن الإخلال بواجب التحقق من هوية الزبون
يتعين
على المؤسسة البنكية قبل خصم الأوراق التجارية المقدمة إليها أن تستعلم عن وضعية
الزبون ومركزه المالي علاوة على ضرورة فحص الأوراق التجارية المقدمة إليه. ويدخل
إجراء الاستعلام في صميم أحوال قيام المسؤولية المدنية للبنك استنادا إلى الفصل 78[57]
من قانون الالتزامات والعقود.
كما
يتوجب على البنك في مرحلة التحقق من هوية الزبون القيام بفحص الأوراق التجارية،
وهي مرحلة ممهدة لعملية تحقيق الخصم، ولئن كان الإحجام عن إجراء عملية الفحص لا
يرتب مسؤولية البنك، فإن مصلحته تقتضي اللجوء إليه، لأنه إذا قبل خصم أوراق تجارية
دون فحصها فإنه لا يمكن له بعد إصدار هذا القبول الرجوع عنه وإلا نجم عن ذلك قيام
مسؤولية عقدية[58].
وقد
يحدث عمليا أن يقدم سند أو ورقة تجارية للبنك بغية خصمها لكن من طرف وكيل وليس
الزبون – الأصيل في هذه العملية – فيكون البنك ملزما بالتقيد بحدود الوكالة،
والتحقق من أن تصرف الوكيل يندرج في حدود ما يسمح له به عقد الوكالة، وإلا ترتب عن
ذلك قيام المسؤولية المدنية للبنك.
إن
المسؤولية العقدية للمؤسسة البنكية والحال ما ذكر، تتبلور إذا كان عقد الوكالة
يستوجب توقيعا مزدوجا للوكيل والموكل – المستفيد من عقد الخصم – بحيث يتعين على
البنك التقيد ببنود الوكالة، ومن التحقق من أن تظهير الأوراق التجارية إليه في
إطار عملية الخصم يتضمن توقيع زبونه وتوقيع الوكيل[59].
ثانيا : المسؤولية عن خصم
أوراق تجارية من طرف شخص غير موكول إليه التصرف باسم شخص معنوي
يعتبر
قبول البنك التعامل مع شخص غير موكول إليه التوقيع على الأوراق التجارية باسم شخص
معنوي، خطأ مهني يترتب عنه قيام مسؤوليته عن الضرر الذي لحق الشركة، وذلك إذا كان
عقد الشركة المودع لدى البنك قد حدد ضمن بنوده اسم المؤهل وحده الإشراف على حسابها
البنكي، وللتوقيع على كافة التزاماتها المالية، باعتبار أن المؤسسة البنكية ملزمة
قبل فتح أي حساب بالتحقق فيما يخص الأشخاص المعنويين من شكل وتسمية وعنوان وهوية
وسلطات الشخص أو الأشخاص الطبيعيين المخولين إنجاز عمليات في الحساب البنكي، ومن
ثم لا يحق للمؤسسة البنكية – مهما كان شكل أو نوع الشركة – أن تتعامل أو توجه أو
تساءل أي شريك آخر غير مخول له إنجاز العمليات في حساب الشركة، أو غير موكول إليه
التوقيع على الأوراق التجارية بموجب القانون الأساسي للشركة.
كما
اعتبر القضاء الفرنسي أن البنك يعد سيء النية لأنه كان يعلم بأن موقع الأوراق
التجارية تجاوز الغرض الاجتماعي للشركة المحددة بموجب عقد إنشائها، وأن البنك الذي
قام بالخصم يتحمل المسؤولية إذا وقع بالقبول على الكمبيالة مسحوبة على شخص طبيعي،
دون أن يراقب حدود الصلاحيات المخولة للجهة التي قامت بالتوقيع على الكمبيالة[60].
فالبنك
الذي لم يحترم مقتضيات النظام الأساسي للشركة المودعة نسخة منه لديه، والذي يحدد
الجهة المخول لها صلاحية التصرف في أموال الشركة والتوقيع باسمها، يعتبر مسؤولا
مسؤولية تقصيرية تجاه الشريك المتضرر لا مسؤولية عقدية، والدعوى المقدمة من طرف
هذا الأخير – الشريك – تخضع من حيث تقادمها للفصل 106[61]
من قانون الالتزامات والعقود لا الفصل 387[62]
من القانون نفسه.
الفقرة الثانية : انتفاء مسؤولية البنك في عمليات الخصم
إن
العقدة توضع في المنشار إذا كنا أمام
انتفاء مسؤولية البنك، وعليه، فإن السؤال العريض الذي يطرح نفسه هو متى يكون البنك
في حل عن المسؤولية المدنية في عقد الخصم ؟
سنعمل
على إدغام هذا السؤال الجوهري في نقطتين ؛ الأولى، نعالج فيها إمكانية التحلل من
المسؤولية عند رفض خصم الأوراق التجارية، والنقطة الثانية نخصصها لاضمحلال
المسؤولية عند قفل اعتماد الخصم.
أولا
: إمكانية التحلل من المسؤولية عند رفض خصم الأوراق التجارية
يشمل
عقد الخصم كل السندات القابلة للتداول، إلا أن أكثر السندات المعروضة للخصم في
الحياة العملية تتمثل في الكمبيالات و السندات لأمر، ويملك البنك كامل الحق في رفض
أوراق تجارية مسحوبة على تجار معسرين، أو ذوي سلوك مشبوه أو ناتجة عن عمليات غير
عادية، وبالتالي، يمكن للبنك أن يصنف الأوراق التجارية إلى مؤكدة وغير مؤكدة[63].
لكن
الإشكال الذي يطفو إلى السطح والمرتبط بانتفاء المسؤولية المدنية للبنك أو قيامها
يهم بالخصوص مدى إمكانية رفض البنك خصم سند معين دون أن يعلل هذا الرفض.
ويختلف
الجواب على هذا الإشكال باختلاف شروط العقد، فإذا جاء الحد الأقصى للسندات التي
يمكن خصمها نتيجة تنظيم داخلي، الهدف منه تلافي المخاطر فإن رفض البنك حتى لو كان
غير معلل لا يرتب أي مسؤولية، لكن إذا تم الاتفاق على الحد الأقصى كعنصر من عناصر
التعامل بين البنك والعميل، فلا يمكن عندها للبنك أن يرفض خصم سند قدمه الزبون إلا
إذا علل هذا الرفض بأسباب معقولة وإلا اعتبر مسؤولا[64].
وبمعنى
أدق، فإن الجواب على الإشكال المطروح، يرجع فيه إلى بنود العقد المبرم بين
الطرفين، فإذا شكل الحد الأقصى لقيمة الأوراق التجارية والسندات التزاما أساسيا لا
يمكن للبنك تجاوزه، فإن رفض البنك حتى إذا ما كان غير مبرر لا تقوم معه أية
مسؤولية، أما إذا كان الحد الأقصى يشكل التزاما ثانويا – يعود للبنك والحالة هذه
تقدير إمكانية قيامه بالخصم أو عدم إمكانية القيام بذلك – فلا يحق للبنك أن يرفض
خصم ورقة تجارية إلا إذا علل هذا الرفض بأسباب معقولة تحت طائلة قيام مسؤوليته[65].
ومما
يجب التأكيد عليه في هذا الصدد، أن البنك غير ملزم بقبول خصم جميع الأوراق
التجارية التي يقدمها له زبونه، رغم عدم تجاوزه لسقف اعتماد الخصم، حيث إن البنك
عادة ما يعمل على تقدير أهمية إمضاءات كل من الساحب والمسحوب عليه على الأوراق
التجارية قبل قبول خصمها.
في
إطار التفتيش عن إمكانية انتفاء المسؤولية المدنية للبنك في عملية الخصم، نجد أنه
من الناحية العملية الواقعية لا يقبل خصم أي ورقة تجارية أو سند معين إلا إذا كان
حاملها يتوفر على حساب بنكي مفتوح لدى مؤسسة الائتمان المراد الخصم لديها، رغم أن
المشرع في الباب السادس من القسم السابع من مدونة التجارة لم يقرن عملية الخصم
بضرورة توفر حساب بنكي، الأمر الذي يجعل الزبون العرضي في حيرة، إذا رجع على البنك
في إطار المسؤولية المدنية يدفع في وجهه بذريعة العرف المهني البنكي، والحال أن
القانون لا يشترط وجود حساب بنكي مفتوح.
وفي
هذه الحالة لا نملك إلا أن نعيب على المشرع سكوته، ولا ندري هل نحمل هذا السكوت
على الإباحة فيكون من حق الزبون خصم الورقة التجارية لدى البنك حتى ولو لم يكن
لديه حساب بنكي، أم أن المشرع بسكوته هذا أعطى المجال لمؤسسة الائتمان لتعتد
بالعرف الجاري به العمل، الواقع أن الأمر يستدعي تدخل المشرع لوضع النقاط على
الحروف.
ثانيا
: اضمحلال مسؤولية البنك عند قفل اعتماد الخصم
إذا
كانت المادة 525[66] من
مدونة التجارة قد أقرت مبدأ يهدف إلى حماية الزبون من تعسف البنك الناتج عن
الإنهاء المباغت للاعتماد غير محدد المدة، وذلك بإلزام البنك في هذه الحالة بأن
يخبر المستفيد كتابة بقراره، وأن ينتظر انصرام مدة الإشعار التي ينبغي أن تحدد عند
إبرام الاعتماد، فإنها أوردت استثناء لهذا المبدأ تعفى بموجبه المؤسسة البنكية في
حالات معينة من التقيد بأي مهلة إشعار فيما يخص إنهاء عقد فتح الاعتماد للمستفيد
وذلك في حالة توقف بين للمستفيد عن الدفع، وعند إساءة استعماله للاعتماد، وهذا المبدأ
رسخه القضاء التجاري المغربي بحيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار
البيضاء ما يلي :" إن رفض الطاعن الاتحاد المغربي للأبناك أداء شيك بمبلغ
64799402 درهم بتاريخ 31/07/1997 في وقت كان الرصيد الحسابي للمستأنف عليها مدينا،
عمل لا يتسم بطابع التعسف من طرف البنك ولا يعد فسخا للاعتماد دون سابق إشعار
وبالتالي، لا يتحمل البنك تبعات أداء الشيك المذكور[67].
خاتمة :
تأسيسا
على ما سبق، نستشف أن التنظيم القانوني الذي خصه المشرع للمسؤولية المدنية للبنك
يتسم بخاصية التشتت والتبعثر بين عدة قوانين، أولها الشريعة العامة المتمثلة في
قانون الالتزامات والعقود الذي لا غنى عنه بأي حال من الأحوال، ومدونة التجارة في
القسم الخاص بالعقود البنكية، وكذا القانون رقم 103.12 المنظم لمؤسسات الائتمان
والهيئات المعتبرة في حكمها، الأمر الذي يجعل الإحاطة الدقيقة بهذه المسؤولية
المدنية أمرا عسيرا، وبذلك يكون المشرع المغربي لم يوفق في إرساء إطار قانوني متين
يحكم المسؤولية المدنية للبنك.
ومن هذا المنطلق، فإنه من
الضروري لفت عناية المشرع المغربي إلى بعض التوصيات الآتية :
-
جمع
نصوص القانون البنكي بين دفتي مدونة واحدة ؛
-
تحديد
حالات قيام المسؤولية المدنية بدقة بالغة لتحاشي تملص البنك من هذه المسؤولية
والحفاظ على مصالح العميل ؛
-
توسيع
المسؤولية المدنية للبنك باعتباره شخصا معنويا مهنيا يتميز بالحذاقة والدراسة
الدقيقة للعمليات التي يقوم بها، فلا يعقل بقاء مسؤولية البنك في نطاق ضيق.
لائحة المراجع
مؤلفات :
-
جنكل
محمد، العمليات البنكية، الجزء الأول، العمليات البنكية المباشرة، مطبعة النجاح
الجديدة، الطبعة الأولى 2003.
-
جنكل
محمد، المسؤولية البنكية على ضوء القانون المتعلق بتدابير حماية المستهلك، مطبعة
النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2015.
-
الستاوي
سمير، المسؤولية البنكية في مجال خصم الأوراق التجارية، دار السلام للطباعة والنشر
والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى 2015.
-
صبري
محمد، الأخطاء البنكية، أساس مسؤولية البنكي عن عدم ملائمة الائتمان مع مصلحة
الزبون، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2007.
-
العرعاري
عبد القادر، مصادر الالتزام، الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية، مكتبة دار الأمان
الرباط، الطبعة الثالثة 2014.
-
الفقيهي
نور الدين، المعين في فهم القانون البنكي المغربي، مطبعة طوب بريس الرباط، الطبعة
الأولى 2015.
-
الكزبري
مامون، نظرية الالتزام في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، دون ذكر المطبعة
ورقم الطبعة.
-
لفروجي
امحمد، العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، سلسلة الدراسات
القانونية، عدد 2، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 2001.
-
مومن
محمد، أحكام وسائل الأداء و الائتمان في القانون المغربي، المطبعة والوراقة
الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 2013.
أطروحات
ورسائل :
أ- أطروحات :
-
أبي
العون أنس موسى، المسؤولية المدنية للأبناك تجاه الزبائن والغير، أطروحة لنيل
الدكتوراه في القانون الخاص وحدة العقود والعقار، جامعة محمد الأول كلية العلوم
القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، السنة الجامعية 2009/2010.
-
الريحاني
عبد الفتاح، المسؤولية المدنية للبنك المانح للائتمان للمقاولة موضوع التسوية
القضائية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، جامعة
الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات، السنة الجامعية
2007/2008.
ب- رسائل :
-
أوهراش
محمد، خصم الأوراق التجارية كعملية بنكية على ضوء التشريع المغربي والمقارن، رسالة
لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم
القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي_الرباط، السنة الجامعية 2007-2008.
-
خليلي
سهام، المسؤولية المدنية للبنك، مذكرة لنيل دبلوم الماجستير، جامعة محمد خيضر –
بسكرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية الجزائر، السنة الجامعية 2007/2008.
-
كعبوش
لبنى، المسؤولية المدنية للبنك في إطار عدم ملاءمة الائتمان لمصلحة المقاولة،
رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم
القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، الرباط، السنة الجامعية 2008/2009.
-
المحفوضي صالح، المسؤولية
المدنية للبنكي على ضوء القانون المغربي والعمل القضائي، رسالة لنيل دبلوم
الماستر، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية،
مراكش، السنة الجامعية 2010/ 2009.
محاضرات
جامعية :
-
الأطرش
محمد، محاضرات ألقيت على طلبة ماستر قانون الأعمال في مادة القانون البنكي، جامعة
القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، برسم السنة
الجامعية 2008/2007.
مقالات إلكترونية :
-
عبد
اللطيف مشبال، المسؤولية المدنية للأبناك والاجتهاد القضائي المغربي، مقال منشور
بالموقع الالكتروني : http://articledroit.blogspot.com
-
عبد
الحكيم الحكماوي، المسؤولية المدنية للمؤسسة البنكية، مقال منشور بموقع العلوم
القانونية : http://www.marocdroit.com
صور المسؤولية المدنية
للأبناك، مقال منشور بالموقع الالكتروني :
http://www.startimes.com
[1] نور الدين الفقيهي، المعين في فهم القانون
البنكي المغربي، مطبعة طوب بريس الرباط، الطبعة الأولى 2015، الصفحة 13.
[2] القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان
والهيئات المعتبرة في حكمها، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.193، صادر
بتاريخ فاتح ربيع الأول 1436 (24 ديسمبر 2014) ، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6327
بتاريخ فاتح ربيع الأول 1436 (22 يناير 2015) ص 462.
[4] مقال بعنوان المسؤولية المدنية، بدون ذكر صاحبه،
منشور بالموقع الالكتروني : www.startimes.com/?t=327445648
، تم الاطلاع عليه يوم 05/12/2016، على الساعة 14:27.
[5] عبد الفتاح
الريحاني، المسؤولية المدنية للبنك المانح للائتمان للمقاولة موضوع التسوية
القضائية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، جامعة
الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات، السنة الجامعية
2007/2008، ص 23.
[6] القانون رقم
15.95 المتعلق بمدونة التجارة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.83 المؤرخ
في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح غشت 1996)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4418
بتاريخ جمادى الأولى 1417 (3 أكتوبر 1996)، ص 1287.
[7] القانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها،
الدار بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.05.178 ، بتاريخ 15 محرم 1427 (14 فبراير
2006)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5397 بتاريخ 21 محرم 1427 (20 فبراير 2006) ص
435.
[8] سهام خليلي، المسؤولية المدنية للبنك، مذكرة
لنيل دبلوم الماجستير، جامعة محمد خيضر – بسكرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية الجزائر،
السنة الجامعية 2007/2008، ص 44.
[9] محمد جنكل، المسؤولية البنكية على ضوء القانون
المتعلق بتدابير حماية المستهلك، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة
الأولى 2015، ص 21.
[13] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، الكتاب
الثاني، المسؤولية المدنية، مكتبة دار الأمان الرباط، الطبعة الثالثة 2014، ص 50.
[14] قرار المجلس الأعلى عدد 1035 صادر بتاريخ
29/10/2003، مذكور عند محمد جنكل، المسؤولية البنكية، مرجع سابق، ص 22.
[16] ينص الفصل 232 من قانون الالتزامات والعقود على
أنه : " لا يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية الشخص عن خطإه الجسيم أو تدليسه
".
[20] لبنى كعبوش، المسؤولية المدنية للبنك في إطار
عدم ملائمة الائتمان لمصلحة المقاولة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي،
الرباط، السنة الجامعية 2008/2009، ص 70.
[27] صور المسؤولية المدنية للأبناك، بدون ذكر صاحبه،
مقال منشور بالموقع الالكتروني : http://www.startimes.com/?t=19862111 تم الاطلاع عليه يوم 4/12/2016، على الساعة 15:57.
[30] قرار رقم 1307 في ملف عدد 901/05 صادر بتاريخ
10/11/2005، منشور بمجلة المعيار، عدد 38، دجنبر 2007، ص 216.
[32] عبد اللطيف مشبال، المسؤولية المدنية للأبناك
والاجتهاد القضائي المغربي، مقال منشور بالموقع الالكتروني : http://articledroit.blogspot.com/2009/11/blog-post_1078.html ، تم الاطلاع عليه يوم 04/12/2016 على الساعة 20:30.
[34] مامون الكزبري، نظرية الالتزام في ضوء قانون
الالتزامات والعقود المغربي، دون ذكر المطبعة ورقم الطبعة، ص 531.
[35] عبد الحكيم الحكماوي، المسؤولية المدنية للمؤسسة
البنكية، مقال منشور بموقع العلوم القانونية : http://www.marocdroit.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%848.html ، تم الاطلاع عليه يوم 04/12/2016، على الساعة
19:30.
[36] صالح المحفوضي، المسؤولية المدنية للبنكي على
ضوء القانون المغربي والعمل القضائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة القاضي
عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية
2010/ 2009، ص 22.
[38] أنس موسى أبي العون، المسؤولية المدنية للأبناك
تجاه الزبائن والغير، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص وحدة العقود
والعقار، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة،
السنة الجامعية 2009/2010، ص 89.
[40] امحمد لفروجي، العقود البنكية بين مدونة التجارة
والقانون البنكي، سلسلة الدراسات القانونية، عدد 2، مطبعة النجاح الجديدة، الدار
البيضاء، الطبعة الثانية، 2001، ص 20.
[42] محمد الأطرش، محاضرات ألقيت على طلبة ماستر
قانون الأعمال في مادة القانون البنكي، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية مراكش، برسم السنة الجامعية 2008 /2007 ، ص 45.
[43] " يجوز لكل شخص
لا يتوفر على حساب تحت الطلب ورفض له فتح هذا الحساب من لدن بنك أو عدة بنوك بعد
طلبه ذلك في رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتوصل أن يلتمس من بنك المغرب تعيين
مؤسسة ائتمان يمكنه أن يفتح الحساب المذكور لديها.
وإذا تبين لبنك المغرب أن الرفض لا مبرر له، عين مؤسسة الائتمان التي سيفتح
الحساب لديها. ويجوز لهذه الأخيرة أن تحصر الخدمات المرتبطة بفتح الحساب في عمليات
الصندوق".
[45] تنص المادة 18 من مدونة التجارة على أنه :
" يتعين على كل تاجر، لأغراضه التجارية،
أن يفتح حسابا في مؤسسة بنكية أو في مركز للشيكات البريدية".
[47] محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، قرار
رقم 1084/2000 صادر بتاريخ 2001/05/14 ملف عدد 2000/867/10، غير منشور.
[48] محمد صبري، الأخطاء البنكية، أساس مسؤولية
البنكي عن عدم ملائمة الائتمان مع مصلحة الزبون، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،
الطبعة الأولى، 2007، ص 223.
[49] محمد جنكل، العمليات البنكية، الجزء الأول،
العمليات البنكية المباشرة، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2003، ص 98.
[54] عرف المشرع المغربي عقد خصم
الأوراق التجارية في المادة 526 من مدونة التجارة بأنه :" عقد تلتزم بمقتضاه
المؤسسة البنكية أن تدفع للحامل قبل الأوان مقابل تفويته لها مبلغ أوراق تجارية أو
غيرها من السندات القابلة للتداول التي يحل أجل دفعها في تاريخ معين، على أن يلزم
برد قيمتها إذا لم يف بها الملتزم الأصلي".
[55] ليست وحدها المؤسسات البنكية
المخول لها القيام بعمليات الخصم، إذ يمكن أن تشاركها في هذه المهمة شركات التمويل
متى أجازت مقررات اعتمادها أو النصوص التنظيمية الخاصة بها ذلك.
[56] محمد مومن، أحكام وسائل الأداء
و الائتمان في القانون المغربي، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى
2013، ص 276.
[57] ينص الفصل 78 على ما يلي :" كل شخص مسؤول
عن الضرر المعنوي والمادي الذي أحدثه لا بفعله فقط، ولكن بخطئه أيضا وذلك عندما
يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في الضرر".
[58] محمد أوهروش، خصم الأوراق التجارية كعملية بنكية
على ضوء التشريع المغربي والمقارن، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال
والمقاولات، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
السويسي_الرباط، السنة الجامعية 2007-2008، ص 50.
[59] سمير الستاوي، المسؤولية البنكية في مجال خصم
الأوراق التجارية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى
2015، ص 271.
[61] ينص الفصل 106 من قانون الالتزامات والعقود على
ما يلي :" إن دعوى التعويض جراء جنحة أو شبه جنحة تتقادم بمضي خمس سنوات
تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر أو الشخص المسؤول عنه
وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر".
[62] جاء في الفصل 387 ما يلي :" كل الدعاوى
الناشئة عن الالتزام تتقادم بمضي خمس عشرة، ماعدا الاستثناءات الواردة فيما بعد،
والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة".
[66] جاء في المادة 525 من مدونة التجارة ما يلي :
"... لا يمكن فسخ الاعتماد المفتوح لمدة
غير معينة بصورة صريحة أو ضمنية، ولا تخفيض مدته إلا بعد تبليغ إشعار كتابي وانتهاء
أجل يحدد عند فتح الاعتماد، دون أن يقل هذا الأجل عن ستين يوما.."
[67] قرار صادر عن محكمة الاستئناف
بالدار البيضاء، عدد 947/2004، بتاريخ 23/03/2004 في الملف رقم 1057/2003/9، غير
منشور.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق