الاثنين، 24 ديسمبر 2012

الحكم والسلطة في الاسلام السداسي الاول


- سند الشورى وبعض تطبيقاتها:

ان الشورى كأداة او كوسيلة للفصل في امور المواطنين او تسيير دولاب الدولة، لها جدور قديمة في المجتمع العربي، وكتب التاريخ تثبت لنا ان امور كثيرة تم الفصل فيها عن طريق الشورى.
كما يذكر ان اكابر قريش قاموا بالتشاور بعد الانتهاء من بناء البيت العتيق فيمن سيضع الحجر الاسود في موضعه، بالإضافة الى ان اهل يثرب كانوا يجتمعون للتشاور كلما هم بهم امر، وكان اخر اجتماع لهم في بيت ابي ايوب الانصاري فاتفقوا على نصرة النبي ومساندته والايمان به.
وعند بزوغ فجر الاسلام الذي يشكل منعطفا في حياة المجتمع العربي فقد احتلت الشورى مكانة جليلة لذلك ركز عليها الاسلام واقرها ضمن مجال التشريع وادارة الحكم، والقران الكريم يشير الى مبدأ الشورى في الآية الكريمة:( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين) ، ونظرا لأهمية الشورى في الاسلام جعلها القران الكريم بين فريضتي الصلاة والزكاة وذلك للتأكيد على اهميتها والزاميتها وذلك في قوله تعالى:( والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)
ولقد ذكر لنا القران الكريم قصة يتجلى فيها مبدأ الشورى بكل معانيه فهذه  ملكة سبأ كانت تعبد الشمس هي وقومها، فارسل اليهم نبي الله سليمان كتابا يدعوهم الى عبادة الله، فجمعت قومها وشاورتهم حول القرار الواجب اتخاذه قال المولى عز وجل:(قالت يا ايها الملؤا إني القي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي واتوني مسلمين قالت يا ايها الملؤا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدوا قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والامر اليك فانظري ماذا تأمرين) والرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق العظيم والكلم الطيب، كان يستشير اصحابه وهذه التفاتة طيبة منه ، فهذا الحباب بن المنذر يشير على النبي (ص) في غزوة بدر بوضع جيش المسلمين في مكان حيث ينبع الماء ليرتوي المسلمين ويقطعوا الماء على الكفار، كما شاورهم بعد انتصارهم في الحرب في أمر اطلاق سراح اسرى الكفار، ويروي القرطبي ان النبي (ص) بم يكتن يستشير الناس في الامور الدينية لان امرها محسوما بالوحي، لكنه كان يستشيرهم في امور الحرب والسلم والحكم وغيرها,
وروى الامام احمد ان النبي(ص) قال لابي بكر وعمر: (لو اجتمعتما على مشورة ما خالفتكما) وهذا دليل على ان الشورى كان يعمل بها كثيرا في عهد الرسول صلى عليه وسلم وخصوصا في قضايا الحرب والسلم والحكم، ولكن بعد انتقاله الى الرفيق الاعلى (ص) تطورت وتوسعت دائرة الشورى في عهد الخلفاء الراشدين لتشمل بعض الامور الشرعية عن طريق الاجتهاد مع التقيد بالأصول الاربعة  المقررة( الكتاب والسنة) ، وهذا ابو بكر يواجه قرار اعلان الحرب على المرتدين (  المقصود بالمرتدين :الذي يكفرون بعد اسلامهم) فاستشار اصحابه مخافة اشتعال الحرب الاهلية التي لا يتكهن بنتائجها، واخر قرار اتخذه قبل وفاته هو تشاوره مع كبار الصحابة في شأن من سيخلفه، جاء عهد الفاروق عمر بن الخطاب فهو بدوره  استعان بالشورى وطبقها على البلاد الاسلامية فجاءت بنتائج محمودة منها: وضع نظام الضمان الاجتماعي، وضع نظام العسس أي الحراسة الليلية، وضع التقويم الهجري، وتحديد مدة غياب الجنود في اربعة اشهر، وآخر شيء فعله هو تشاوره مع سبعة من كبار الصحابة في شأن من سيكون خليفة للمسلمين.
فإذا كانت الشورى ذات اهمية كبرى في كونها نظاما اخلاقيا وعادلا لا يخدم مصالح الناس ويوازن بين امور  الحاكم  والمحكومين اذن فمن تتوفر فيه الاهلية لينوب عن المجتمع الاسلامي  او بصيغة اخرى من هم اهل الحل والعقد؟
أهل الحل والعقد( ممثلو المجتمع الاسلامي)
اهل الحل والعقد هم الوكلاء الذين توكلهم الامة في الحكم والتشريع، وهؤلاء الوكلاء لهم نفس حقوق موكلهم ، فقد روي ان الرسول (ص) في بيعة العقبة الثانية، قال للمسلمين بعد ان بايعوه " اخرجوا لي منكم  اثني عشر نقيبا" فاختار القوم تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس.
لذلك فانتخاب اعضاء مجلس الشورى يتم انتخابا ولا يجوز تعيينهم لأسباب وهي: انهم وكلاء في التعبير عن رأي الناس، والسبب الثاني ان  الانتخاب عملية حضارية من شأنها ان تفرز الامثل والاصلح للامة، لكن لابد من توفر شروط ثلاثة في اهل الحل والعقد لينجحوا في مهامهم وهذه الشروط هي توافر العدالة الجامعة لشروطها، والعلم الواسع، والحكمة والرأي، وهذه الشروط  تشكل الحد الادنى من الشروط الواجبة توفرها فيهم، وفي هذا الصدد يروى ان علي بن اب طالب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الامر ينزل بنا لم ينزل فيه القرآن ، ولم تمض فيه منك سنة، قال: ( اجمعوا له العالمين او قال العابدين من المؤمنين واجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحدة)
ان مدة عضوية اهل الحل والعقد تكون محددة طالما ان قاعدة اختيارهم مبنية على اساس استحقاقات انتخابية، ذلك ان الذين كان يرجع اليهم النبي صلى الله عليه وسلم في الشورى غير الذين عاد اليهم ابو بكر، وكذلك الشأن لعمر بن الخطاب لم يتقيد بمشاورة الاعضاء الذين كان يستشيرهم ابو بكر.
اما عن عدد اعضاء الحل والعقد استناد الى بعض الباحثين الاسلامين فان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضم سبعينا شخصا، وهذا الرقم يبدو معقولا في مقابل البرلمانات الحديثة التي تشكو الاعداد المرتفعة والكفاءة المتدنية بين صفوف البرلمانين الذين يكلفون الدولة اموال خيالية، لكن اهل الحل والعقد كانوا في صدر الاسلام لم يكونوا يتقاضون شيئا مقابل ما كانوا يسدونه من الرشد والنصح، وانما كانوا يكتفون براحة الضمير و التفاني في خدمة الامة مؤهلهم في ذلك التقوى وخشية الله والعلم وسندهم  قوله تعالى :  (انما يخشى الله من عباده العلماء)و قوله ايضا : (يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات) وقوله تعالى: ( ان اكرمكم عند اله اتقاكم).
صلاحيات مجلس الشورى:
تتمثل صلاحيات مجلس الشورى في اقتراح التشريع الامثل للامة استنادا الى الشريعة الاسلامية، بالإضافة الى مراقبة  الوزراء وكبار الموظفين عن طريق المحاسبة.
بعض مزايا الشورى:
تتميز الشورى في كونها اسلوب حضاري يعمل على حماية كرامة الانسان وضمان حقوقه وواجباته، وهي طريقة فيها رحمة للحاكم والمحكومين، فاتخاذ الحاكم لقرار انفرادي دون مشاورة الامة هو مجازفة بمصالحها ويسقطها ما يحمد عقباها.
وخلاصة القول فان مجلس الشورى المكون من اهل الحل والعقد احد الضمانات الاساسية في اطار فلسفة حقوق الانسان في التشريع الاسلامي،  والشورى فكرة تقوم على الاعتصام بحبل الله والتآخي بين المؤمنين، وذلك مصداقا لقوله تعالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقوله صلى الله عليه وسلم:" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الى اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

-ولاية المظالم

تعتبر ولاية المظالم احد الضمانات الاساسية في إطار فلسفة حقوق الانسان في التشريع الاسلامي، وهي شبيهة بنظام المحاكم الادارية ونظام القضاء الاداري، لكن الاختلاف بينها يكمن في نقطتين اساسيتين: الاولى اختصاصات ولاية المظالم اوسع من اختصاصات المحاكم الادارية ، لأنها تختص في القضاء والحكم، والفرق الثاني هو ان ولاية المظالم تختص تلقائيا بالنظر في قسم من المظالم دون تلقي المظلمة من صاحب المصلحة الجدية.
شروط ناظر المظالم:
يشترط في ناظر المظالم ان يكون جليل القدر، نافذ الامر، عظيم الهيبة، ظاهر العفة، قليل الطمع، كثير الورع، لأنه احتاج الى الجمع بين سطوة الحماة وتثبت القضاة، فاحتاج الى الجمع بين صفتي الفريقين، فان كان ممن يملك الامور العامة كالخلفاء او من فوض اليه الخلفاء كالوزراء والامراء لم يحتج النظر فيها الى تقليد وكان النظر فيها لعموم ولايته، واما ان كان ممن لم يفوض اليه عموم النظر احتاج الى تقليد وتولية اذا اجتمعت فيه الشروط. ولقد نظر النبي صلى الله عليه وسلم  المظالم في الماء الذي تنازعه الزبير بن العوام ورجل من الانصار، فحضره بنفسه، وقال للزبير" اسق انت يا زبير، ثم الانصاري، فقال الانصاري: ان كان ابن عمتك يا رسول الله، فغضب رسول الله(ص) من قوله وقال: يا زبير آجره على بطنه حتى يبلغ الماء الكعبين".
وفي عهد الخلفاء الراشدين لم ينتدب للمظالم احد لحداثة العهد بالدين الاسلامي، ولشيوع روح الانصاف والعدل والمساواة بين المؤمنين، اما ما كان ينشأ من منازعات فكان يفصل فيها القضاة، لكن بعد عهد الخلافة الراشدة تجاهر الناس بالظلم فكانت الحاجة ماسة والضرورة ملحة الى ناظر المظالم، لذلك كان عبد الملك بن مروان اول من خصص يوما تنظر فيه مظالم المتظلمين، فكلما عرض عليه مشكل احاله على قاضيه  ابو ادريس الاودي، فيعمل على تنفيذ احكامه، وكان القاضي هو المباشر وعبد الملك بن مروان هو الآمر,
وازداد تمرد  وطغيان الولاة وجورهم فوقف لهم الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي كرس جزءا حياته للمظالم، فرد مظالم بني امية على اهلها، فكان حازما في قراراته واوامره لا يخاف في الحق لومة لائم، وهدفه من ذلك انصاف الناس من ظلم الولاة غير مهتم ولا آبه بما قد يحصل له من مكروه.
- تشكيلة ناظر المظالم
  جرت العادة ان يخصص يوم للبث في مظالم المتظلمين من جور الولاة في مجلس يتشكل من عناصر يحتاجها ناظر المظالم للفصل في القضايا التي تعرض عليه وهذه التشكيلة هي:
-  الحماة والاعوان لجلب القوي وتقويم الجريء
-  القضاة والحكام لاستعلام ما يثبت عندهم من حقوق 
-  الفقهاء ليرجع اليهم فيما اشكل ويسألهم عما اشتبه
-  الشهود ليشهدهم على ما اوجبهم من حق وامضاه من حكم
يتضح ان مجلس ناظر المظالم يتكون من تشكيلة نموذجية قل لها نظير ، تتضمن الفقهاء والقضاة والكتاب والشهود والاعوان، مما يجعلها تشكيلة تراعي حقوق المظلومين ومصالح العباد والبلاد، وكذلك ابتغاء مرضاة الله الذي يأمر بالعدل والانصاف، لا مصلحة فردية كما هو الشأن بالنسبة لكثير من المجالس المعاصرة التي تكون شكلية اكثر منها جوهرية، فتأتي بنتائج سلبية بحيث تدعو الضرورة في كل حين الى استبدالها واعادة هيكلتها أملا في نتائج ايجابية، ولن تكون هناك نتائج تذكر دون ان تسند المسؤولية لمن هو اهلا لها ،وذلك بمراعاة مؤهلاته وكفاءته، لهذا فان عدم مراعاة هذه الصفاة يؤدي الى قيام الدمار والخراب، ولم يذكر في التاريخ ان فلاحا جنى من الشوك عنبا.
-اختصاصات ناظر المظالم:
    ان اختصاصات ناظر المظالم متعددة فقد اشار  القاضي ابي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي الى بعضها في مؤلفه الاحكام السلطانية، ففصل فيها كالتالي :
أ- النظر في مدى تعدي الولاة على الرعية بحث يستبدلهم اذا لم ينصفوا، ويكافئهم اذا انصفوا.
ب- جور العمال فيما يجنونه من اموال فيرجع فيها الى القوانين العادلة الواردة في دواوين الائمة  ليستشف حقيقة الامر.
ج- كتاب الدواوين لانهم امناء المسلمين على بيوت الاموال فيما يستوفونه ويوفونه.
وهذه الاحكام الثلاثة ينظر فيها والي المظالم من تلقاء نفسه دونما حاجة الة التوقف على مظلمة المتظلم.
د- تظلم المسترزقة فيما نقص من ارزاقهم او تأخرها عنهم، واجحاف الناظر بهم فيرجع الى ديوانه في فرض العطاء العادل.
هـ- رد الغضوب اي غضوب سلطانية( الهيبة السلطانية)قد تغلب عليها ولاة الجور كالاملاك المقبوضة عن اربابها تعديا على اهلها.
و- مشارفة الوقوف وهي نوعان عامة وخاصة .
ز- تنفيذ احكام القضاة التي وقفت لضعفهم عن انفاذها او عجزهم عن المحكوم عليه، لان ناظر المظالم اقوى يدا وانفذ حكما.
ك- النظر فيما عجز عنه الناظرون في الحسبة  من المصالح العامة كالمجاهرة بمنكر ضعف عن دفعه.
ل- مراعاة العبادات الظاهرة الجمع والاعياد والحج وغيرها.
ن- النظر بين المتخاصمين والحكم بين المتنازعين فلا يخرج في النظر بينهم عن موجب الحق ومقتضاه.
وقد عمد الاسلام الى تطبيق ولاية المظالم تطبيقا صحيحا في مختلف العصور التاريخية، لان اختصاصات والي المظالم كانت واسعة تشمل كل مناحي الحياة، فها هي تقف في وجه الطغاة والجبابرة، وترفق وترد الحق الى الرعايا، انها لنظام هيكلي خاص جعل الاسلام يقضي على الفساد والمفسدين وينصر الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه، بالاضافة الى كون نظام ولاية المظالم احد الضمانات الاساسية في اطار فلسفة حقوق الانسان في التشريع الاسلامي، فناظر المظالم يشجع الموظف الامين، ويقوم المعوج المفلس، يساوي بين هذا وذاك لا يظلم عنده احد، القوي والضعيف الغني والفقير الشريف والوضيع على السواء، لافرق بين هذا والاخر مصداق لقوقه تعالى:(ان اكرمكم عند الله اتقاكم) وقوله صلى الله عليه وسلم:( لافرق لعربي على عجمي الا بالتقوى) 

ولاية القضاء:

القضاءفي اللغة يأتي على معنيين: الاول بمعنى الانقطاع وهذه الكلمة من قضى اي مات ومنه قوله تعالى (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) والثاني بمعنى الحكم ومنه قوله تعالى(فاقض ما انت قاض)
اما اصطلاحا فقد ورد عن ابن خلدون قوله: القضاء منصب الفصل بين الناس في الخصومات وحسنا للتداعي وقطعا للنزاع.
فالقضاء قبل الاسلام كان يخضع للتقاليد والعادات فكان المتخاصمين يحتكمون الى شيخ القبيلة او الكهنة وكانوا غير ملزمين بتطبيق احكامهم، فقد تولى ابو لهب مهمة القضاء في قريش، لكن بعد ما جاء الاسلام تغيرت الموازين اصبح المتخاصمين يحتكومن الى كتاب الله وسنة لرسوله لانهما الفيصل في كل الامور، فهذا معاذ بن جبل يرسله النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا الى اليمن ، فيخنبره في قضائه، ليجده متضلعا ومتحكما في زمام الامور يتدرج من كتاب الله الى سنة رسول اله فاجتهاده.
وهذه اعظم رسالة عرفها التاريخ، رسالة عمر بن الخطاب الى ابي موسى الاشعري حملها ارفع ضمانات التقاضي لم يتوصل اليها ابلغ و افقه فقهاء القانون الوضعي في العصر الحديث.
أهلية القاضي للفصل بين الناس:
    ان الفصل بين الناس مسؤولية كبيرة، لانها تتعلق بالرقاب والاعراض والاموال فيجب على من يتحملها ان يستحضر دائما امام محاسبة الله له وعليه تحكيم ضميره فيما يرضي الله ورسوله، فلا يرضخ للضغوطات مهما كان مصدرها، وان لايحابي الغني على الفقير لان ذلك يجره الى مأزق الظلم ، واله سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه،لهذا فان الفقهاء وضعوا شروطا يجب توفرها فيمن ولي الفصل بين الناس وذلك لحماية وضمان حقوق المتقاضين.
وقد اشار القاضي ابو يعلى محمد ابو الحسين الفراء الحنبلي اليها في كتابه الاحكام السلطانية بقوله: "فأما ولاية القضاء (ص60) فلا يجوز تقليد القضاء الا لمن توفرت فيه سبع شرائط: الذكورية، والبلوغ، والعقل، والحرية، والاسلام، والعدالة، والسلامة في السمع والبصر، والعلم",
فالذكورية لان المرأة تنقص عن كمال الولايات وقبول الشهادات، وفي هذا الشأن ثار خلاف بين الفقهاء ، فمنهم من يشترط في القاضي ان يكونا رجلا ومنهم من يجوز للمراة تولية القضاء لكن ليس مطالقا ، وهناك من يجيز توليتها في غير الحدود والجنايات .
واما البلوغ والعقل فلأن الصبي والمجنون لا يليان على انفسهما حتى يليان على غيرهما.
واما الحرية فلأن العبد ليس من اهل الولايات ولا كامل الشهادات .واما الاسلام فلأن الفاسق المسلم لا يجوز ان يلي، فاولى ان لا يلي الكافر.واما العدالة لان الفاسق متهم في دينه، والقضاء طريق الامانات، واما السلامة في السمع والبصر فليعرف المدعي من المنكر، واما بخصوص العلم فلابد له ان يكون صاحب علم بالأحكام الشرعية ومعرفتها تتوقف على معرفة كتاب الله  وما يتضمنه من ناسخا ومنسوخا ومحكما متشابها...، وسنة رسول الله الثابت من اقواله وافعاله و اقواله  مجيئها في التواتر او الاحاد,,,, والدراية بأقوال السلف فيما اجمعوا عليه والعلم بالقياس .
فهذه الشروط تبدو معقولة فتوفرها في القاضي يجهل من اهلا للفصل بين الناس، فبالاضافة الى الشروط السابقة  فمن حمل المسؤولية يجب ات يتمتع بالتجربة والهيبة والذكاء والتكزين العالي.
لا يمكن باي حال من الاحوال  الحديث عن العدل والانصاف والامن والامان والاستقرار دون وجود قضاء بخير ، ولن يتأتى ذلك الا اذا تورت للمتقاضي ضمانات تمكنه من محاكمة عادلة، لهذا في اطار فلسفة حقوق الانسان في التشريع الاسلامي ، فان المتقاضي في ظل الشريعة يتمتع بضمانات لم يصل اليها ارفع القوانين والانظمة  الوضعية، لان الخطاب فيها يتوجه الى القب والعقل ويركز على الايمان لانه المحرك الاساس والمصدر الوحيد لصيانة الحقوق والواجبات .
لهذا يعد الكتاب الذي بعثه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى ابي موسى الاشعري اروع الكتب لانه ضمنه ارقى ضمانات التقاضي ، لهذا فهي  تتضمن الاجراءات التي تجعل المتقاضي يتمتع بمحاكمة عادلة وهذه الضمانات  هي:
-ضمانات المتقاضي امام القضاء:
1- المساواة بين الخصوم:
ا المساواة بين الخصوم تعتبر احد المبادئ التي ركز عليها الاسلام ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى:( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)، فالدارس للتاريخ الاسلامي يلمس حقيقة المساواة بين الخصوم بكل معانيها ، فقد روي ان ارجلا اشتكى علي بن اب طالب الى عمر بن الخطاب عندما كان خليفة للمسلمين، فنادى عمر الامام علي بعبارة "يا ابا الحسن" ونادى الخصم بإسمه ، فغضب علي، فقال له عمر : لماذا غضبت، هل لأنني ساويتك مع الخصم؟ فقال له : لا و لكن كنيتني وام تكنه.
وتتجلى مظاهر المساواة بين الخصوم في الشريعة الاسلامية في عدم تقديم قضية في دورها عن قضية، فلم يكن هناك شيء يسمى بجدول القضايا يعطي الاسبقية للنقيب، فالنقيب الاسبق، فالمحامي الرسمي، ثم المتدرب،ولكن يعطي الاولوية للقاضايا الاولى التي حظر اطرافها اولا، كما  يعطي الاسبقية للغريب المسافر للنظر في قضيته وذلك مراعاة لظروفه.
وفي اطار المساواة بين الخصوم على القاضي ان يساوي بين الخصمين في المجلس، فلا يجعل احدهما جالسا والاخر واقفا، ولا يعطي احدهما وسادة والاخر يجلس على الارض، فقد روي ان عمر بن الخطاب اختصما هو وابي بن كعب الى  زيد بن ثابت عندما كان قاضيا،فألقى لعمر بن الخطاب وسادة، فقال عمر: هذا اول جورك، وجلس  بين يديه ولم يجلس على الوسادة.
2- البينة على المدعي واليمين على من انكر:
 على القاضي ان يستند في حكمه الى الوسائل المتوفرة لديه والمنصوص عليها شرعا خيرا له من ان يسقط في الخطأ،فهذا علي بن ابي طاب يجد درعه التي سقطت منه عند يهودي فيرفع امره الى القاضي شريح يخاصمه في درعه، وفي اطار مبدأ المساواة سأل القاضي شريح اليهودي فيما يقوله امير المؤمنين؟ فأجاب بان الدرع درعه وما امير المؤمنين عنده بكاذب، فسال القاضي علي بن ابي طالب اذا ما كان له وسائل اثبات ، فكان لعلي شهادة ابنه واحد مواليه فرفضهما القاضي شريح لانهما من اقاربه وحكم لصالح اليهودي تاسيسا على قاعدة " حيازة المنقول سند للملكية" فما كان من اليهودي الا ان اقر بان الدرع لعلي بن ابي طالب ، فقد كان يمتحن عدالة الشريعة الاسلامية التي وجدها حقيقية، فأشهر اسلامه واكرم علي مثواه بإهدائه الدرع موضوع النزاع.
3- حق الدفاع:
على القاضي ان يوفر المجال للخصوم من اجل الدفاع على انفسهم وحقوقهم بكل حرية،وان يمكنهم من الوسائل الضرورية التي يكفلها لهم الشرع ، والى هذا المعنى يشير حديث رسول صلى اله عليه وسلم  لعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه : اذا اتاك الخصمان فلا تقضي للأول حتى تسمع ما يقوله الاخر، فانك اذا سمعت ما يقوله الاخر عرفت كيف تقضي، ان الله سيثبت لسانك وسيهدي قلبك" فما زلت قاضيا بعد,
4- الرجوع الى الحق فضيلة:
ان الحق قديم لا يبطله شيء والرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل، فعلى القاضي اذا تبين له ان قضائه لم يمن في موضعه يجب عليه العودة اليه وتصيحه، مادام الرجوع الى الحق فضيلة، وخصوصا في عصرنا الحالي على القاضي ان يتنازل على كبريائه  وان يرجع عن الباطل الى الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه.
5_ الشريعة الإسلامية تخاطب الوجدان احقاقا للحق: 
قد يكون قول احد الخصمين ابلغ من الاخر، فتتدخل الشريعة الاسلامية لتخاطب وجدان المتخاصمين وتنبههم الى الجزاء الذي يترتب على اخذ حق الغير كيف ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:  "انما انا بشر وانكم تختصمون الي ولع بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما اسمع فمن قضيت له من حق اخيه شيئا فلا يأخذ فانما اقطع له قطعة من نار" 
6- القاضي لا يحكم وهو غضبان:
ان مهمة القضاء تتطلب من االقاضي ان لا يحكم وهو غضبان ، لان حكمه وهو غضبان يزيل عن حكمه العدل والمساواة والانصاف، ويقف حاجزا امام وصول الحق الى اصحابه، فمع الغضب لا مـجال للتفكير الدقيق لهذا يستحسن للقاضي ان  لا يجلس للقضاء وهو غضبان ولا عطشان ، رحمة بنفسه ورحمة بالمتخاصمين.
7- اعتماد شهادة الشهود في مجال الدعوى:
ان شهادة الشهود هي احد الوسائل التي يعتمدها القاضي  لاثبات الحق الى اصحابه، لكن قبول الشخص كشاهد يحتم عليه ان لا يكون مقبوض عليه في شهادة زور سابقة ، او جلد او كانت له عداوة او بغضاء مع احد المتخاصمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم  يقول: "الا اخبركم بخير الشهداء؟ الذي ياتي بشهادته قبل ان يسألها ".
8- الاصل في الانسان البراءة الى ان يثبت العكس:
 الانسان اصله البراءة الى ان تثبت الادانة، لذلك فالضرورة تفرض على القاضي العمل بالقاعدة الاسلامية التي تقرر ان براءة الذمة استنادا الى ما جاء في الاثار عن اصحاب رسول الله والتابعين قولهم: " ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم، والخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة" لهذا على القاضي ان يستند في احكامه الى اليقين اعتمادا على قاعدة: اليقين لايرفع بالشك.
9- مبدأ عدم رجعية القوانين والعقوبات الجنائية:
زيادة على الضمانات الاساسية التي وردت في الكتاب الذي بعث به عمر بن الخطاب الى ابي موسى الاسعري، توجد ضمانة اخرى تدعم حماية  حقوق الانسان تتجسد في عدم رجعي القوانين والعقوبات الجنائية، لهذا فاله سبحانه وتعالى يقول:( وما كان ربك مهلكي القرى حتى يبعث في امها رسولا يتلوا عليهم ءاياتنا وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون) فهذا يدل على عدم جواز تطبيق القوانين الجنائية بمفعول رجعي في الاسلام، لانه وقت ارتكاب الجريمة  لم يكن معلوما ان الشريعة قد تطبق على هذا الفعل.
وخلاصة القول ان ولاية القضاء  تمثل احد الضمانات الاساسية في اطار فلسفة حقوق الانسان في التشريع الاسلامي،فمهما كانت قيمة النصوص المدونة وغير المدونة تكفل حماية حقوق الانسان  فلن تستطيع ذلك الا بوجود قضاء فعال ونزيه.
بالاضافة الى ذلك على القاضي ان يستحضر امامه العدل ولا شيء غير العدل،وان يحكم بما انزل الله  حتى لا يدخل ضمن دائرة الظالمين الذين رتب لهم الشرع جزاء جسيم وان لا يدخل ضمن القضاة الذين اشار اليهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ( القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجن، رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فاهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحق فهو في الجنة).

ليست هناك تعليقات

© جميع الحقوق محفوظة صفحات قانونية 2020 - حقوق الطبع والنشر | الناشر صفحات قانونية | سياسة الخصوصية