السبت، 3 يناير 2015

المدرسة الوضعية

     لعل أبرز مؤسسي هذه المدرسة هما الفقيه الايطالي بكاريا(Beccaria ) والفقيه الانجليزي بنتام، وقد بنت هذه المدرسة فلسفتها على طغيان الحكام واستبدادهم وجبروت التحقيق ووحشية العقاب.
       والجريمة عند أصحاب هذه المدرسة هي : ظاهرة سلوك فردي يختاره الجاني عن طواعية وإرادة تدفعه إليه أنانيته ومنفعته الشخصية خارقا بذلك بنود العقد الاجتماعي الذي ينظم الحقوق والواجبات المتبادلة بين الفرد والمجتمع وفق فلسفة جان جاك روسو المعرفة في العقد الاجتماعي .
وأهم المبادئ التي بنت عليها المدرسة التقليدية نظريتها :
        1 _ الفرد المتمتع بأهلية الإدراك والتمييز مسؤول أخلاقيا عما يرتكبه من جرائم , فهو بالتالي يستحق الجزاء لأنه باختياره الطريق الصالح بدل الطريق الصالح يكون مدنيا ومدانا .
       2_ المساواة في تقرير العقاب من طرف المشرع لكل جريمة على حدة فلا وجود للحدين الأدنى والأقصى للعقوبة لأنه لا تفاوت بين مجرم ومجرم بالنسبة لحرية الاختيار لدى من يتمتع بالتمييز والإدراك والغاية التي توخاها أصحاب هذه المدرسة هي تكييل حرية القاضي في تحديد العقاب لكل متهم وفي ذلك محاربة للتعسف والشطط في استعمال السلطة التي كان يمارسها القضاة .
      3_  حق المجتمع في توقيع العقاب هذا المتهم سنده هو الدفاع عن كيانه من خلال بنود العقد الاجتماعي.
        4_ تكريس مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص من طرف المشرع .
وهكذا يمكن تلخيص الإصلاحيات التي نادت بها هذه المدرسة فيما يلي :
- سن التشريعات الجنائية التي تحدد مسبقا لائحة الجرائم والعقوبات .
- تحميل المسؤولية الجنائية للمتهمين بأهلية الإدراك والتميز وحرية الاختيار .
ثم إن العقوبة يجب أن تراعى فيها الخصائص الآتية :
أ- المساواة في تفريد العقاب بالنسبة للأفراد الذين يرتكبون نفس الجرم
ب-التناسب بين الضرر والعقاب اي بقدر ما يكون الضرر بسيطا او متوسطا يكون العقاب .
ج- نهج سياسة المنع العام والمنع الخاص أي أن الهدف من العقوبة يجب أن يحقق أمرين محاربة الجريمة من خلال عدم العودة إليها من طرف المذنب, ومن خلال منع ارتكابها من طرف المجتمع .
          وبناءا على هذه المبادئ طالبت المدرسة التقليدية بإلغاء عقوبة الإعدام لأنها تشكل مساسا بالحق في الحياة .
ثم إن هذه المؤسسة وتجسيدا لخصائص العدل وضعت رمزا للعدالة تمثل في صورة امرأة معصوبة العينين تأخذ بيدها اليمنى سيفا وباليد الأخرى ميزانا أما العصابة الموضوعة على عينيها فإنها ترمز إلى المساواة في العقوبة بين جميع الجناة، وهذا من شأنه أن يجعل القاضي لا ينظر إلى دين المتهم ولا إلى ماله ولا شرفه ولا أفكاره وإنما ينظر إلى تهمته، وأما الميزان فانه يرمز إلى كفتي الضرر والعقاب لكي لا تطغى إحداهما على الأخرى .
أما السيف فهو تعبير عن الترهيب والإخافة لتحقيق هدفين هما المنع الخاص والمنع العام للجريمة .
      ويتبين مما ذكر أن أصحاب النظرية  التقليدية كانوا نظريين في أفكارهم أكثر من عمليين وبعيدين عن الواقع الاجتماعي الذي أرادوا تطبيق فلسفتهم فيه .
     وتجدر الإشارة إلى أن أنصار المدرسة التقليدية انقسموا إلى قسمين من حيث اختيار العقوبة المناسبة لكل جريمة تحقيقا للهدف من العقاب، قسم يشكل فريق النفعية الاجتماعية, وقسم يمثل فريق العدالة المطلقة .
فــــــريــق الــنفعيـــة الاجتماعية :
      إن أنصار هذا الفريق ينادون بضرورة تحقيق العقوبة للمنفعة الاجتماعية وهكذا فانه عند تقرير العقاب يجب أن تراعى مصلحة المجتمع من حيث نوعها.
       ويقول الفقيه بنتام في هذا المجال : إن ما يبرر العقوبة هو نفعها أو على الأصح ضرورتها وأن كل عقاب لا يراه الناس بأعينهم هو عقاب ضائع ولذلك إذا كان في إمكاننا أن نضيف الجمهور بطلب صورة الجاني فان من القسوة التي لا فائدة منها أن نطلبه شخصيا.
فريــــــــق  العـــــدالــــة المطلقـــــة :
        إن أنصار هذا الفريق ومنهم الفيلسوف كانط ينتقدون فريق النفعية الاجتماعية معتبرين أن تأسيس العقوبة على فكرة الدفاع عن مصلحة المجتمع أو المنفعة العامة فيه إهدار لحقوق الفرد.
       وهكذا يجب معاقبة الجاني لأنه أذنب وأساء للمجتمع ولكن دون مبالغة ولا مغالاة, وتوقيع العقوبة ضروري لتحقيق العدالة ولو لم يتحقق أي نفع اجتماعي.

ليست هناك تعليقات

© جميع الحقوق محفوظة صفحات قانونية 2020 - حقوق الطبع والنشر | الناشر صفحات قانونية | سياسة الخصوصية