الأحد، 16 نوفمبر 2014

الحرية الفكرية



إن حرية الفكر تعد واحدة من أهم الحريات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان باعتباره كائنا عاقلا، وانطلاقا من هذا المبدأ، اتخذت الحرية الفكرية في المجتمعات الحديثة المقام الأول في انتظام الحريات العامة، لهذا فقد أحاطت الدول الغربية هذه الحرية بهالة من التقديس، ولقد أكد على هذه الحرية تصريح 1789 في (المادة 10) وكذلك (المادة 11) التي تنص على ما يلي: "إن حرية تبادل الأفكار والآراء، إنما هي من أثمن حقوق الإنسان، ولكل مواطن أن يتحدث ويكتب ويطبع بحرية بشرط أن يكون مسؤولا عن الإساءة لهذه الحرية في الأحوال التي ينص عليها القانون" بينما جاء ذكرها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في (المادة 19) "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت".ويمكن تحديد مجالات حرية الفكر، في ثلاثة حريات أساسية، تتمثل في حرية الرأي، وحرية التعبير وحرية التعليم-1 حرية الرأي والتعبير:تعتبر حرية الرأي والتعبير بمثابة العمود الفقري للحريات الفكرية والمرآة الحقيقية لشخصية الإنسان، ذلك أنه إذا كان من حق الإنسان أن يفكر فيما يكتنفه من شؤون وما يقع تحت إدراكه من ظواهر، وأن يأخذ بما يهديه إليه فكره، ويكون عقيدته الداخلية فكريا بصورة مستقلة ومختارة؛ فإن حقه هذا يبقى ناقصا إذا لم يتمكن من التعبير عن أفكاره وآرائه ومعتقداته، بنقلها من مرحلتها الداخلية إلى حيز الوجود الخارجي، لإعلام الكافة بها سواء كان ذلك في أحاديثه بمجالسه الخاصة أو العامة، أم في خطبه ودروسه أم في كتاباته ومقالاته.[1] وعليه فمن الطبيعي أننا لا نستطيع الفصل بين شخص الإنسان وحقه في التعبير عن آرائه كما يريد، بشرط واحد هو عدم استخدام هذا الحق كوسيلة ضغط أو تأثير على الآراء الآخرين الذين يجب أن يسمح لهم بالتعبير عنها بنفس المستوى من الحرية.[2]والرأي كما هو معروف من صنع العقل، ويعني قدرة الإنسان وحقه في اعتناق الآراء التي يشاء في أي أمر من الأمور، في السياسة والدين والاجتماع والعلم والثقافة إلى ما هنالك من نواحي الحياة.[3] لكن الرأي يمكن أن يبقى في حدود الفكرة الداخلية، مثلما يمكن أن يصل إلى مرحلة التعبير عن هذه الفكرة أي إظهارها بشكلها الخارجي، من هنا تصبح حرية الرأي والتعبير عنه، تلك المقدرة التي يجب أن يتمتع بها الفرد لصوغ قناعاته وإخراجها إلى حيز الوجود.[4]ويكرس القانون الوضعي، بشكل عام، حرية الرأي، أي أنه يقبل بوجود حق خاص للفرد لامتلاك رأي معين والحرية في التعبير عنه، في الوقت الذي يضع فيه قواعد محددة لممارسة هذه الحرية، وقد جاء في (المادة 10) من الإعلان الفرنسي والمواطن في عام 1789 بأنه: "يجب الامتناع عن إزعاج أي إنسان بسبب آرائه الدينية، ما دام التعبير عنها لا يعكر النظام المرتكز على القانون" كما نصت (المادة 11) على أن حرية إيصال الأفكار والآراء هي واحدة من أغلى حقوق الإنسان، فكل مواطن يستطيع الكلام والكتابة والطباعة بحرية إلا في حالات إساءة استعمال هذه الحرية المحددة في القانون". وفي نفس السياق تشير (المادة 19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية"وتقول (المادة 19) من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية بأن:"1- لكل فرد الحق في الآراء دون تدخل2- لكل فرد الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية البحث عن المعلومات أو الأفكار من أي نوع ونقلها بغض النظر عن الحدود إما شفاهة أو كتابة أو طباعة سواء أكان في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى تختارها"وجاء في (المادة 10) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان بأن:"1- لكل شخص الحق بحرية التعبير، ويتضمن هذا الحق حرية الرأي وتلقي أو إيصال معلومات أو أفكار بدون أي تدخل من السلطات العامة وبغض النظر عن الحدود، ولا تمنع هذه الدول من إخضاع مؤسسات الإذاعة والسينما أو التلفزيون لنظام الترخيص"وعلى العموم فالديمقراطيات التقليدية، تقوم على حرية الآراء وحرية نشر هذه الآراء، وإذاعتها بوسائل الإعلام كافة، أي بجميع الوسائل التي توصل هذا الرأي إلى الناس أجمعين من كتابة وخطابة وطباعة وإذاعة وتصوير وأفلام، إلى ما هنالك من وسائل الإعلام والاتصال العصرية، والتي لا تستطيع الدول أن تتركها حرة، غير مقيدة بقوانين لأنها متصلة بروحها وأحكامها بالنظام العام والمصلحة الوطنية وسلامة الدولة.[5]بيد أن الصعوبة الحقيقية هنا تتمثل في تقرير الحدود النهائية لاعتبارات النظام العام من جهة، وحرية التعبير من جهة أخرى، ولكن الصيغة الوسطى تأسست حول فكرة أن القانون يجب أن يعنى بالمسائل التي تتعلق بالنظام العام في شموليته الفلسفية وليس في تقييد حرية الرأي وعليه كانت المطالبة بإلغاء مبدأ الرقابة المسبقة، أي حرية نشر أي عمل، على أن يخضع للملاحظة القضائية بعد نشره، والمتابعة القضائية ترتكز على نصوص القانون المتعلقة بالقذف والسب والتحريض على العصيان وما يخل بالآداب والأخلاق العامة وليس على حرية الإرادة في التصرف.[6] وهذا ما تؤكده (المادة 19) من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية في (الفقرة الثالثة) " ترتبط ممارسة الحقوق المنصوص عليها في (الفقرة 2) من هذه المادة بواجبات ومسؤوليات خاصة، ولهذا فإنها قد تخضع لقيود معينة؛ ولكن فقط بالاستناد إلى نصوص القانون التي تكون ضرورية:أ- من أجل احترام حقوق أو سمعة الآخرينب- من أجل حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق"وجاء في (المادة العاشرة) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان (الفقرة الثانية) ما يلي: "إن ممارسة هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات ويمكن إخضاعها لشكليات وشروط وقيود أو عقوبات ينص عليها القانون باعتبارها إجراءات ضرورية في مجتمع ديمقراطي من أجل الحفاظ على الأمن الوطني، والسلامة الإقليمية أو الأمن العام، وللدفاع عن النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والآداب وحماية سمعة وحقوق الآخرين، ومنع إفشاء الأسرار أو لضمان هيبة وحياد السلطة القضائية".2 حرية التعليم:إن حرية التعليم على ما يرى فقهاء القانون العام تتضمن ثلاثة أمور هي:- حق الفرد في أن يلقن العلم للآخرين- وحقه في أن يتلقن قدرا من التعليم- وحقه في أن يختار من المعلمين[7]وإذا كانت حرية التعليم بهذا المعنى مقررة في القانون والتشريعات الوضعية باعتبارها حقا من الحقوق الأساسية للأفراد، فإن الأمم كانت ولا تزال تولي اهتماما خاصا للتعليم، وجعلته ضمن أولوية اهتماماتها، ليس فقط باعتباره حقا من حقوق الإنسان، وإنما أيضا باعتباره الوسيلة اللازمة والضرورية لتفتح الذكاء الإنساني، وصقل طاقات الإبداع الكامنة داخل كل فرد وتربيته على مبادئ التسامح والانفتاح واعتماد لغة العقل والعلم ميزانا لتقدير مختلف القضايا والمسائل. فاتساع دائرة المعرفة بين الشعوب مقابل ضيق دائرة الجهل والانغلاق لا بد من أن يؤدي إلى علاقات أكثر تفهما وتعاونا بين هذه الشعوب وبالتالي إلى احترام حريات بعضها البعض، وحقها في تقرير شؤونها بنفسها على كافة الصعد والمستويات.[8]وهذا ما يقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مقدمته عندما قال بأن: "الجمعية العامة تعلن بأن الإعلان الحالي هو مثال عام يجب تحقيقه... من أجل أن يقوم كل أفراد المجتمع وهيئاته، الذين يحتفظون بهذا الإعلان في ذهنهم، ببذل الجهود من خلال التربية والتعليم، في سبيل تطوير احترام حقوق الإنسان وحرياته وضمان الاعتراف بها وتطبيقها الفعلي..." وأشارت (المادة 26) إلى حق الإنسان في التربية والتعليم باعترافها بأن:"1- لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل مجانيا، وأن يكون التعليم الابتدائي إلزاميا وأن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن يسهل القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة2- يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملا، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.3- للأهل الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم"
[1] هاني سليمان الطعيمات: م.س. ص 181[2] خضر خضر م.س. ص: 341[3] م.س. ص 46[4] م.س. ص:341[5] م.س. ص: 46[6] م.س. ص: 46[7] م.س. ص: 291[8] خضر خضر م.س. ص:350

ليست هناك تعليقات

© جميع الحقوق محفوظة صفحات قانونية 2020 - حقوق الطبع والنشر | الناشر صفحات قانونية | سياسة الخصوصية