مقدمـــة :
يعتبر الأجير وفقا للفقرة الأولى من المادة 6 من مدونة الشغل[1] «كل
شخص التزم ببذل نشاطه المهني تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين لقاء أجر أيا كان
نوعه وطريقة أدائه»، و بالتالي فالأجير هو كل شخص طبيعي ذكر كان أو أنثى بالغا سن
الشغل، ويؤدي عمله تحت تبعية المشغل مقابل أجر. كما يعتبر
أجيرا كذلك أيا كان نوع النشاط الذي يؤديه عضليا أو ذهنيا زراعيا أو تجاريا، ومهما
كانت درجته داخل المقاولة مديرا أو مستخدما أو عاملا بسيطا، وللإشارة فإنه لا يمكن
اعتبار الشخص الاعتباري أجيرا وإن كان يستطيع أن يتعاقد باعتباره مقاولا.
وعليه فإن للأجير حقوق عديدة يتطلب الأمر حمايتها مصداقا
لقوله تعالى "نحن قسمنا بينهم
معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا
ورحمت ربك خير مما يجمعون "[2]، وروي
في حديث شريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أعطوا الأجير أجره قبل أن
يجف عرقه»[3].
لكن في الواقع العملي لا يمكن أن يستفيد الأجير من حقوقه
إلا إذا كان القانون يقرها ويعترف بها كذلك. والحق الذي يتمتع به الأجير ليس واحد
بل حقوق كثيرة ومتنوعة منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والشخصية، وسنركز في
عرضنا هذا على الحقوق الشخصية المتصلة بعلاقات الشغل، فالحديث عنها من المسائل
المتشعبة، يتمثل أولها في تحديد المقصود منها إذ عرفها الفقيه رمضان أبو السعود
أنها تلك الحقوق التي تستمد أصلها من الشخصية، وتضمن للشخص الانتفاع بنفسه، وتلك
التي لها صلة بها مثل قواه الفكرية والجسدية[4]،
والحقوق المرتبطة بالشخصية تختلف في مداها وأبعادها باختلاف المجتمعات والأنظمة
السياسية التي تحميها، وأيضا باختلاف الأزمنة والتقاليد والثقافات التي تسود
المجتمع الواحد.
ولا يخفى علينا أن موضوع كهذا تتجلى أهميته في كثرة
الإشكالات التي يطرحها خاصة أمام ضآلة الضمانات القانونية التي جاءت بها مدونة
الشغل، مقارنة بتفشي ظاهرة الاعتداء على الحقوق والحريات وعدم جدوى تطبيق بعض فصول
من قانون الالتزامات والعقود في إطار علاقات الشغل نظرا لأن من شأن تطبيقه الزيادة
في تأزيم وضع الأجير[5].
والجدير بالذكر أن حقوق الأجراء الشخصية معرضة أكثر
خطورة لاعتداءات سواء أثناء إبرام العقد أو عند مزاولة العمل المأجور خاصة عندما
يتعرض الأجير للمس بحياته الخاصة، وسلامته البدنية وكرامته، بل قد يتعقد الأمر
لدرجة عدم احترام حقه المرتبط بكيانه الفكري، الأمر الذي يجعلنا نطرح إشكاليات من
قبيل :
هل من أسانيد قانونية يمكن الاعتماد عليها لحماية حقوق
الأجراء الشخصية؟.
للإجابة عن هذا الإشكال
وغيره سنعمل على تقسيم الموضوع إلى مبحثين اثنين :
المبحث الأول : حماية حقوق الأجير الشخصية في عقد الشغل
وأثناء مزاولته للعمل المأجور.
المبحث الثاني : حماية حقوق الأجير الشخصية المرتبطة
بكيانه الفكري.
من المعلوم أنه في إطار المقاولة تنشأ علاقات تعاقدية
بين الأجير والمأجر (رب العمل) تتخذ شكل عقد، هذا الأخير الذي يجب أن يتضمن مجموعة
من الحقوق والالتزامات يتعين احترامها من كلا الطرفين خاصة ما يتعلق بالحقوق
الشخصية للأجير كالحق في الزواج والحق في المظهر، وما إلى غير ذلك من الحقوق في
عقد الشغل (المطلب الأول) أو حقوق أخرى كالكرامة والسلامة البدنية التي
تأتي أثناء العمل المأجور (المطلب الثاني).
المطلب
الأول : حماية الحقوق
الشخصية في عقد الشغل :
يمكن اعتبار الحقوق الشخصية هي تلك الحقوق المكونة لشخص
الإنسان والتي لا يمكن فصلها عنه، وحيث أنه وفي إطار علاقته بالشغل التي يعتبر
الأجير الطرف الضعيف فيها، فإنه يمكن أن يتعرض لمجموعة من الضغوطات التي تفرض عليه
الرضوخ لمطالب المشغل التي يمكن أن يكون فيها نوع من المساس، أو الاعتداء بهذه
الحقوق، كفرض عدم الحجاب أو شرط العزوبة، مما يمكن أن يخل بمفهوم النظام العام.
لهذا نتساءل عن مدى الحماية القانونية الموفرة من طرف المشرع لهذه الحقوق، خاصة
وأن هذه الأخيرة لا يمكن أن تقع تحت الحصر؟ سؤال كهذا يجعلنا نتصدى لحقوق
الأجيرأثناء إبرام العقد وهي عديدة إلى أننا سنتناول البعض منها في (الفقرة
الأولى) كما أن هذه الحقوق مرتبطة بها إشكاليات لابد من التطرق لها في (الفقرة
الثانية)
الفقرة
الأولى : الحقوق
الشخصية في عقد الشغل:
يعتبر عقد الشغل نقطة إلتقاء مصالح و قيم إجتماعية
مختلفة تقضي مصلحة المقاولة التوفيق بينهما، بوضع حدود مرنة بين سلطة المشغل في
تدبيرو تسيير مقاولته و بين حماية حقوق الأجراء، ومرحلة إبرام عقد الشغل هاته
تعتبر مرحلة حاسمة في حياة الأجير المهنية فخلالها يتم تحديد نطاق الالتزامات
الملقاة على عاتق كل طرف.
وعليه يعرف عقد الشغل بأنه «كل عقد يلتزم بمقتضاه أجير
ببذل نشاطه المهني في خدمة المشغل وتحت تبعيته لقاء أجر يلتزم هذا الأخير بدفعه له
أيا كان نوعه وطريقة أدائه»[6].
من خلال هذا التعريف يتبادر إلى ذهننا سؤال وجيه مفاده، هل
فعلا الشروط المتضمنة داخل العقد، تعطي الحماية القانونية للحقوق الشخصية للأجير
خاصة وأنه الطرف الضعيف في العقد، علما أنه وفي إطار حاجته للعمل يمكن أن يرضخ
لبعض الشروط التي تكون حيفا في حقه ومسا بحقوقه؟
للإجابة عن هذا السؤال ارتأينا التطرق لبعض الحقوق على
سبيل المثال لا الحصر، و التي يمكن أن يقع بها مساس في شخصية الأجير أثناء عقد
الشغل، كالحق في الزواج والحق في اختيار المظهر على اعتبارهما من ابرز الحقوق التي
يطالهما تعسف المشغلين.
فالبنسبة للزواج يعد ذا أهمية بالغة سواء من الناحية
الدينية أو الاجتماعية، والزواج علاقة إنسانية بالأساس يؤدي وظيفة هامة في المجتمع
بالمقارنة مع باقي العقود المدنية المرتبطة أساسا بتبادل الأموال والمنافع[7].
وقد رغبت فيه الشريعة الإسلامية ودعت إليه، مصداقا لقوله
تعالى : "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها
"[8].
كما أن مدونة الأسرة المغربية نصت عليه ونظمته في المادة
4 من مدونة الأسرة على كونه ميثاق تراضي وترابط شرعي بين رجل وامرأة على الدوام
غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة.
كما لم تغفله جل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان وأكدت على أن
للإنسان الحق في الزواج[9].
كل هذا يدفعنا إلى القول بأن الزواج عنصر مهم وحق من
الحقوق التي يجب أن تحترمها بنود العقد، على اعتبار أن هاته الأخيرة محدودة زمنيا،
أي بمعنى آخر أن الأجير لا يبقى مرتبطا بها إلا أثناء زمان ومكان عقد الشغل ولا
تتم إلا في حدوده. حيث أن عقد الشغل لا علاقة له بالحياة العائلية للأجير ولا يمكن
لرب العمل أن يتدخل فيها.
وفي هـذا السياق جـاء التدخل الإيجابي للقضاء حيث أزاح
شرط العزوبة (La Célibat la contractuel) من
خلال تأييده لحق المضيفة الجوية للطيران "هيلينا باطسطا" في الزواج التي
كانت تشتغل لحساب شركة الخطوط الجوية المغربية وتم فصلها لزواجها، وهذا وسام يعلق
على صدر القضاء المغربي من خلال هذا التكريس القضائي لحماية ابرز الحقوق الشخصية
للأجير التي لا يمكن حرمانه منها.
وقد تم صدور هذا القرار من طرف(المجلس الأعلى) محكمة
النقض حاليا بتاريخ 20 يوليوز 1983[10]. حيث
اعتبر فصل الأجيرة في هذه الحالة تعسفا. كما أن مدونة الشغل المغربية تضمنت مجموعة
من النصوص تمنع التمييز في مجال الاستخدام بسبب الوضعية العائلية أو الزواج.
ورغم كل هذه النصوص التشريعية والاتجاهات الفقهية التي
سارت في اتجاه ضرورة احترام هذا الحق، الذي يوجد بجانب مجموعة من الحقوق الأخرى
كالحق في اختيار المظهر.
من المعلوم أن المظهر يشكل واجهة الشخص في غالب أحيانه
ويعكس شخصيته إلى ابعد الحدود، لذا نجد أنه في ميدان الشغل بعض المشغلين يركزون
عليه بشكل كبير جنبا إلى الخبرة والكفاءة المهنية، ونظرا أيضا لقلة فرص الشغل
وكثرة العرض عليها وأنهم يجدونها فرصة لطرح بعض الشروط مثال، شرط أن لا ترتدي
الأجيرات الحجاب كشرط لقبول إبرام عقد الشغل[11].
هنا نكون أمام حقين، حق الأجير في اختيار مظهره وأيضا
أمام حق رب العمل في فرض الشروط من أجل ولوج هذا العمل باعتبار المشغل يسير مؤسسة بالطريقة التي تناسبه، مما يجعلنا
نتساءل حول حرية الأجير في اختيار مظهره؟
إن من منطلق الحرية التعاقدية للمشغل الحق في أن يتعاقد
مع من يشاء وفق الشروط التي يشاء، إلا أنه يمكن أن يضع بعض الشروط التي تمس مقومات
الأجراء والمستخدمين عنده.
لذلك نلاحظ أن بعض الشركات مثلا تلزم عاملاتها بعدم وضع
الحجاب، وهو تدخل سافر في حقوقهن الشخصية ومظهرهن بصفة عامة، كما أننا أيضا نجد
بعض شركات الطيران وخير مثال الشركة الدنماركية "ماركس إير" التي فرضت
على مضيفاتها استعمال مساحيق التجميل أثناء عملهن، ليتم اللجوء بعدها إلى مجلس
المساواة بين الجنسين في "كوبنهاغن" الذي اعتبر أن فرض استعمال مساحيق
التجميل على المضيفات أمر غير قانوني بموجب البند الرابع من قانون المساواة مع
الرجال[12].
هذا ما يدل على أن حق الأجير في اختيار مظهره يبقى
مرهونا بشروط المشغل التعسفية نظرا لغياب نص قانوني صريح يحمي هذه الحقوق، ماعدا
بعض القواعد العامة الموجودة في قانون الالتزامات و العقود، و رغم ذلك لا يجب أن
تكون هذه الانتقادات دائما في صالح الأجير، إذ عليه أيضا أن يلتزم ببعض الحدود،
ولا يفهم من خلال هذا أن له كامل الحرية في اختيار مظهره، بل على العكس من ذلك،
فهذه الأخيرة يجب أن تكون وفق المبدأ السائد لا ضرر ولا ضرار، لذلك فما هي حدود
حرية الأجير في اختيار مظهره؟.
بما أن الطرح السائد هو حق الأجير في اختيار مظهره وأن
كل مساس بهذا الحق يكون باطلا، فلا يجوز فهمه بطريقة مغلوطة تعطي الحق للأجير
لاستعمال حقه هذا بصورة مطلقة، مما يمكن معه أن يضر بحسن سير المقاولة ويؤثر على
عملها سلبا، ويستعمل هذا الحق بطريقة تعسفية تجاه مشغله أو أن يحدث ضررا في
المقاولة.
ومع غياب النصوص التي تحمي كلا الطرفين في مدونة الشغل
يبقى الفصل 109 من قانون الالتزامات والعقود غير كاف لحماية الأجير من أجل بيان
نوعية حقوقه وتسطيرها، ولا بالنسبة للمآجر الذي يمكن أن يسبب له الضرر، لهذا يبقى
الاجتهاد القضائي هو الحل والرؤية الموازنة للقاضي لكلا المصلحتين دون إلحاق الضرر
بأحد الطرفين.
فالقضاء الفرنسي كان سباقا على القضاء المغربي، إذ أن
محكمة الاستئناف بنانسي في قرار لها، اعتبرت أن عدم ارتداء رافعة النهدين، تحت
قميص شفاف أمر مخالف للآداب والأخلاق الحميدة، وأن تصرفها هذا أثار بالمؤسسة نتيجة
تردد الأجراء على مكتب هذه الأخيرة بكثرة، لذلك كان من الواجب أيضا على الأجير أن
يحترم بعض الشروط وأن يتجاوزها مدعيا أنها من حقه الشخصي وأن لا يجوز التدخل في
مظهره.
إلا أنه يبقى من الضروري فرض بعض الحدود على هذا الأجير
مادام يشتغل في مكان له قواعد وضوابط يسير بها، يجب احترامها، في إطار علاقة توازن
بين شروط الأجير وحقوق المآجر، حتى يولد لنا نص يؤطر هذه العلاقة قانونيا نظرا
لضعف هذه الحماية التشريعية لكلا الطرفين. وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن الإشكالات
القانونية المرتبطة بحماية الحقوق الشخصية في عقد الشغل؟
الفقرة الثانية : الإشكالات المرتبطة بحماية الحقوق
الشخصية في عقد الشغل
مما لاشك فيه أن المشرع المغربي أغفل تنظيم الحقوق
الشخصية للأجير بشكل كبير في مدونة الشغل، فلا يمكن القول أن القضاء المغربي لا
يجد نصا يحتكم إليه سوى الفصل 109 من قانون الالتزامات والعقود، التي تجعل العقد
باطلا، وما كان قبله أيضا يصيبه البطلان، مما يجعل دائما الأجير رغم أخذه أو
الاعتراف له بحقه المتنازع عليه خارج المقاولة بسبب بطلان الالتزام، ففي حالة
الزواج نجد المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء مؤيدة في ذلك من طرف محكمة
الاستئناف التي ذهبت في نفس الاتجاه حينما اعتبرت أن العمل من العقود الزمنية أي
أن أثره يكون على المستقبل فقط، أما على الماضي لا سبيل لمحوه، ففي النازلة يمكن
الإشارة إلى أن الشرط في هذه الحالة يبطل ويبقى العقد صحيحا ذلك أنه ليست هناك
فائدة لشركة الطيران من زواج أو عدم زواج المضيفة الجوية. وبالنسبة لأساس المتجلي
في اعتماد الفصل 111 من قانون الالتزامات والعقود التي تنص على أنه «يبطل ويعتبر
كأن لم يكن الشرط الذي تنعدم فيه كل فائدة ذات بال سواء بالنسبة لمن وضعه أو إلى
شخص آخر غيره أو بالنسبة إلى مادة الالتزام». يمكن القول أن هذا الفصل لا يصلح كأساس
لحماية حق الأجير في الزواج نظرا لأن شرط العزوبة يعتبر ذا فائدة بالنسبة لمن وضعه
أي شركة الخطوط الجوية التي تعتبر أن العمل كمضيفة جوية لا يتناسب مع المضيفات
المتزوجات. وعموما فإن تنفيذ التزامات الناشئة عن عقود الشغل تعتمد بالأساس على
عنصر الزمن الذي إذا فات لا يعود، فإذا استحال إرجاع المتعاقدين إلى الحالة
السابقة عن التعاقد فإن هذه الاستحالة لا يكون لها أن تقلب العقد الباطل صحيحا.
وطبقا للمادة 9 من مدونة الشغل يمنع كل تمييز بسبب الحالة الزوجية لاسيما فيما
يتعلق الاستخدام وإدارة العمل وتوزيعه والتكوين المهني وللأجر والاستفادة من
الامتيازات الاجتماعية والتدابير التأديبية والفصل من الشغل، ولفعالية هذا المبدأ
فقد أضافت المادة 12 من نفس المدونة أن مخالفة المشغل لتلك المقتضيات تعرضه لعقوبة
الغرامة من 15.000 إلى 30.000 درهم مع مضاعفة الغرامة في حالة العود[13].
ولم يقتصر أثر قرار (مجلس الأعلى) محكمة النقض على مدونة
الشغل بل تعداه إلى تأكيد مبدأ عدم التميز في تعديل سابق على دخول مدونة الشغل حيز
التنفيذ حيث أصدر المشرع ظهيرا شريفا أضاف بموجبه إلى القانون الجنائي مجموعة من
المقتضيات الفصل 1-431 حيث اعتبر في الفقرة الأولى التفرقة بين الأشخاص الطبيعيين
بسبب الوضعية العائلية بمثابة تمييز ورتب عليه طبقا للفقرة الثانية عقوبة الحبس
إذا تمثل في رفض تشغيل شخص أو فصله عن العمل.
أما بالنسبة لاختيار المظهر وعند البحث في هذه الحماية
القانونية الموفرة له، فإننا نقع أيضا ضمن إشكالية النص المطبق، إذ لن نجد سوى
الفصل 109 من قانون الالتزامات والعقود الذي نجد فيه صراحة ضرر كبير خاصة في هذا
الحق، إذ يؤدي بصاحبه إلى بطلان العقد، مما يجعل الأجير خارج حالة العمل. إلا أنه
يجب تكيف هذا الفصل ليتلاءم مع هدف قانون الشغل المتجلي في حماية فئة الأجراء[14].
لذلك يطرح السؤال إلا أي حد استطاع قانون الشغل توفير
الحماية اللازمة للأجير خاصة في حقه في اختيار مظهر؟ وهل نكاد نجزم بأنه لا يوجد
نص يوفر هذه الحماية في القانون المغربي؟ مقارنة مع نظيره الفرنسي الذي قام بإصدار
قانون 31 دجنبر 1993.
يمكن القول هنا ان مدونة الشغل المغربي تفتقر إلى نص
يحمي الأجير في حق من حقوقه الشخصية ألا وهو اتخاد مظهر يليق به، هذا يجعلنا نتجه
إلى المشرع الفرنسي الذي أورد نصا في قانون الشغل يحمي حقوق الشخصية، وبالتالي
يبقى للمشرع المغربي المنفذ الوحيد لحماية هذه الحقوق الشخصية هو الفصل 109 الذي
جاء به قانون الالتزامات و العقود، والذي يعتبر كوحدة قياس لحماية باقي الحقوق
الشخصية الأخرى في عقد الشغل، الذي تليه مرحلة أخرى وذلك أثناء مزاولة العمل
المأجور التي بدورها تعرف مساسا بمجموعة من الحقوق لذلك يبقى السؤال المطروح عن
مدى توفير هذه النصوص القانونية الموجودة ضمن مدونة الشغل للحماية القانونية
للأجير في مختلف مراحل عمله انطلاقا من التعاقد ثم المزاولة العمل المأجور؟
المطلب
الثاني : مدى حماية حقوق
الأجير الشخصية عند مزاولة العمل المأجور :
إن المشغل في إطار حرصه على حماية المصالح الجوهرية
لمقاولته يعمد إلى ممارسة حقه في الإشراف و توجيه الأجراء أثناء تأديتهم العمل
المأجور، و يعتبر ذلك حق خالص له من خلاله يستطيع تحقيق أهذاف المقاولة، في مقابل
هذا يتمتع الأجراء بمجموعة من الحقوق أتجاه مشغلهم و هو ملزم باحترامها [15]،
وربما نجد أن المشغل قد يتجاوز الحدود
المشروعة في هذه الفترة وقد يستغل موقعه الإقتصادي القوي مقارنة مع الأجير الضعيف
و يؤدي الأمر به إلى المس بحق هذا الأخير في كرامته و صيانته (الفقرة الأولى) وقد
يتعد الأمر ذلك إذ يتعرض لمس بسلامته البدنية (الفقرة الثانية) فهل من حماية له من
طرف المشرع المغربي؟
الفقرة
الأولى : حق
الأجير في الكرامة وصيانتها :
يعتبر حق في الكرامة من الحقوق المخول للبشرية جمعاء
باعتبار أنه لكل إنسان أن يتمتع به، هو الأمر الذي أكده الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان[16] في
مادته الأولى حيث نصت على أنه «يولد الناس أحرار متساوين في الكرامة والحقوق، وقد
وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعاملوا بعضهم البعض بروح الإخاء»، والمغرب باعتباره
بلد ينهج سياسة الانفتاح على كل المستجدات القانونية المواكبة للعصر وتطوراته أصبح
ملزما بتطبيق المعاهدات الدولية واحترامها، وهنا يطرح التساؤل حول مدى تجسيد
وتكريس هذه الاتفاقيات على ارض الواقع بصفة عامة وفي التشريع المغربي بصفة خاصة
ومدى رعاية حق كرامة الأجير؟.
وفي إطار علاقات الشغل يعتبر المساس بالحق في الكرامة
أكثر شيوعا من باقي المجالات الأخرى، حيث أن لسلطة المشغل في الإشراف والمراقبة
والتوجيه واتخاذ إجراءات التأديب في حق الأجيرمن جهة، و حاجة هذا الأخير إلى أجر
يعيش به هو و أفراد أسرته من جهة أخرى. ولا شك أن مكان الشغل يعد مجال خصبا للمساس
بكرامة الأجير.
هذا وقد جاء في ديباجة مدونة الشغل أن «العمل وسيلة
أساسية من وسائل تنمية البلاد وصيانة كرامة الإنسان» وأن العمل ليس بضاعة والأجير
ليس أداة من أدوات الإنتاج ولا يجوز أن يمارس في ظروف تنقص من كرامة الأجير، كما
جاءت المادة 24 من مدونة الشغل[17] بنص صريح
على حماية كرامة الأجير وألقت على عاتق المشغل الالتزام باتخاذ كافة التدابير
اللازمة لحماية كرامة الأجراء والسهر على مراعاة حسن السلوك والأخلاق الحميدة
واستتباب الآداب العامة داخل مكان العمل.
ولكن للأسف في أوساط الشركات التجارية والمقاولات التي
تعد مكان عمل الكثيرين من الأجراء تجاوزات تمس كرامتهم وتخدشها ومن أبرز هذه
التجاوزات نلاحظ التحريض على الفساد والتحرش الجنسي بالخصوص في صفوف الأجيرات
اللاتي يعتبرون الضحية رقم واحد، فهل للأجير الحق في الاعتراض على سلوك المشغل
الماس بكرامته؟
وسنرى هذه المسألة من زاوية التطبيقات المتعلقة بالمساس
بالحق في الكرامة ويهم الأمر بالدرجة الأولى التحرش الجنسي، ومن ثم مدى الحماية
القانونية المتوفرة للأجير في صيانة كرامته.
وقبل النظر إلى الموضوع من منظور قانوني، من الواجب
الإشارة إلى أن الدين قد ضمن للأجير حقوقه وصان كرامته، كالأمر بالوفاء بما تم
عليه التعاقد بين الأجير والمستأجرمصدقا لقوله تعالى في كتابه الكريم "يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود "[18].
ونعلم أنه في إطار المناصفة بين المرأة والرجل وفي مجال
العمل والدراسة والعديد من المجالات الأخرى، أضحت المرأة تشكل نسبة مهمة في القطاع
العمالي، وكنتيجة لهذا العمل المزاول يكون هناك إخلال بين العنصر النسوي والذكوري
في ميدان العمل وداخل مقر مزاولة الشغل، إلا أن هذا الاختلال وهذا التعايش داخل
فضاء واحد (المقاولة) نادرا ما يتم بصورة سليمة ، لذا فان القانون يضمن كل الحقوق
والواجبات لهؤلاء ويمنع انتشار ظاهرة مخلة بالآداب العامة والأخلاق الحميدة ألا
وهي التحرش الجنسي.
وعليه فإن لهذه الأخير(التحرش الجنسي)تعريفات متعددة،
ولكن كلها تتفق على أن هناك عناصر يلزم توفرها لاعتبار التصرف تحرش جنسيا وتتمثل
في ما يلي :
إن التحرش لا يشمل فقط
السلوكات الحسية بل أيضا السلوكات الشفهية.
إن التحرش يقتضي أن يكون
المتحرش عالما بأن الضحية تعتبر التصرف الذي قام به مهينا لها (له).
أن يكون الهدف منه الحصول
على خطوة ذات طبيعة جنسية وغالبا ما يكون الأمر مقابل الحفاظ على العمل أو
الترقية.
وغالبا ما يكون العنصر النسوي معرض للمس بكرامته عن طريق
التحرش، سواء الأجيرات أو الموظفات أو الطالبات او التلميذات ، لكن الذي يهمنا هنا
هو التحرش في الوسط العمالي أثناء مزاولة الأجيرات لعملهن المأجور، والإشكال في
هذه النقطة يتلخص في سلطة المشغل بحيث أنه إذا لم يصل إلى مبتغاه بطريقة أو بأخرى
بعد محاولات التغرير وما إلى ذلك يكون عدم الاستجابة لها مصحوبا بالطرد أو تأخير
الترقية أو تغير مكان العمل[19].
وأمام هذه الظاهرة المشينة، نقف على أرقام وإحصائيات
تبين لنا مدى استفحال هذه الظاهرة، تشير بعض الأرقام على أنه في وسط مؤسسة واحدة
تعرضت 450 أجيرة للتحرش الجنسي من طرف رئيسها، مما دفعهم إلى القيام بإضراب
لإيقافه عند حده، فهذه الفئة اختارت تكسير جدار الصمت، ولكن هذا هو السبب الذي
ساعد في نمو هذه الظاهرة بحيث أن نسبة %84,10 من المتحرش بهن يلزمن الصمت، أما
اللواتي يخترن فضح الأمر لا تتعدى نسبتهن %15,90 كما أشار تقرير صادر عن الجمعية
المغربية لحقوق الإنسان فرع الرباط، أن عدد كبيرا من المؤسسات لا تحترم المواثيق
الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي تكفل وتضمن التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية.
بعد النظر في الإشكال الذي تطرحه ظاهرة التحرش الجنسي
داخل فضاءات العمل وما تخلقه من مشاكل لكلا الطرفين والضرر النسبي الذي تخلقه في
نفس الضحية سنرى الآن مدى الحماية القانونية المخولة لحق الأجير في الكرامة.
إن الآثار السلبية التي يخلفها التحرش الجنسي سواء في
نفسية الضحية أو في الواقع الملموس والمتمثلة أساسا في تحويل مكان مزاولة العمل
إلى مكان يشكل خطرا بالنسبة للعنصر موضوع التحرش من طرف المشغل، حيث أن غياب
السلامة الأخلاقية هو أهم عنصر يجب أن لا يفتقد في مكان الشغل، فالأمر هنا يتعلق
بخرق سافر لحق الأجير في العمل بسلام وأمان وكرامة مصونة، فهل من ضمانات قانونية
للأجير الممارس عليه التحرش الجنسي؟.
برجوعنا إلى القانون الجنائي نجده أنه قد عاقب الإخلال
العلني بالحياء[20] والاغتصاب[21]، أو
هتك العرض أو التهديد والسب، فهل هذه النصوص كافية لمتابعة من صدر عنه فعل التحرش
الجنسي.
فإذا كان التحرش بداية لتحقيق رغبات ذات طبيعة جنسية،
فإنه إذا بلغ إلى حد يوجب إخضاعه لعقوبات الأفعال السالفة الذكر، كالحالة التي لم
يكتف فيها المشغل أو الأجير بتوجيه كلمات أو عبارات ذات طبيعة جنسية بل تجاوزها
إلى حد هتك العرض أو الاغتصاب لا يطرح أي إشكال حيث أنه يمكن متابعة الأجير أو
المشغل في هذه الحالة.
وجاءت مدونة الشغل في مادتها 40 بحماية للأجراء من هذه
الظاهرة بصفة خاصة وظواهر أخرى بصفة عامة، وجعل مرتكبا لخطأ جسيم في حالة ارتكابه
ضد الأجير أخطاء تتنافى والأخلاق الحميدة، واعتبار طرده للأجير بسبب عدم امتثاله
لتلك الأوامر طردا تعسفيا.
حيث ذهبت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرارها
الصادر في 17 ماي 2007، «بأن لمس المؤجر يد الأجيرة وقول كلام الغزل في حقها ووضع
صور الخلاعة أمامها يشكل تحرشا جنسيا ويجعل مغادرة الأجيرة للعمل نتيجة ذلك طردا
تعسفيا، لأن المشغل هو المرتكب للخطأ الجسيم بمفهوم القانون الوطني والدولي[22]».
بكل هاته العوامل نلاحظ حجم الظاهرة التي تأتي إلى جانب
عدة عناصر أخرى وأخذنا بها (التحرش
الجنسي) كأبرز مثال على تجاوز رب العمل سلطاته لتمس الكرامة الشخصية للأجير
والمساس بها، والترسانة القانونية الموضوعة لحماية الأجير وضمان حقوقه من الضياع.
الفقرة
الثاني : حق
الأجير في السلامة البدنية :
تعتبر السلامة البدنية أحد الأركان الأساسية لحياة الفرد
وقدرته على العمل والكسب، كما أن حفظ صحة وسلامة الأجراء كانت ومازالت أحد أهداف
التشريعات المتعلقة بالشغل سواء في المغرب أو بقية دول العالم، على أن حفظ صحة
وسلامة الأجراء لا تتأتى إلا بسلامة العمل، حيث يجب احترام المقتضيات المتعلقة
باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية صحة وسلامة الأجراء أثناء العمل[23].
وعليه يثار في ذهننا إشكال فيما يخص السلامة البدنية باعتبارها حق من الحقوق
الشخصية للأجير، وأولها هل يعتبر خروج الأجير من مكان العمل الذي يشكل له خطر محدق
بحياته بمثابة خطأ يخول المشغل حق اتخاذ عقوبات تأديبية في حق الأجير؟
جوابنا على هذا السؤال يحيلنا إلى اتفاقية الصادرة سنة
1961 رقم 155 المتعلقة بالسلامة والصحة البدنية وبيئة العمل، حيث نصت هذه الأخيرة
في المادة 13 على أن "تكفل الحماية للعامل الذي ينسحب من موقع عمل يعتقد لسبب
معقول أنه يشكل تهديدا وشيكا وخطيرا لحياته أو صحته، مما قد يرتبه انسحابه من
عواقب وفق الأوضاع والممارسة الوطنية".
ورغم الأهمية التي تحتلها هذه الاتفاقية في الحفاظ على
السلطة البدنية للأجير حيث تخوله الانسحاب من أماكن الشغل التي تشكل خطرا، دون
إمكانية اتخاذ عقوبات تأديبية في حق الأجير.
وللإشارة فإن المغرب لم يصادق عليها بعد، وإذا كان الأمر
كذلك هل يمكن أن نعثر في القانون المغربي على ما يمكن أن يشكل حماية للأجراء حيث
وجود خطر محدق بحياتهم بشكل يسمح لهم بالانسحاب من موقع العمل حفاظا على حقهم في
سلامة بدنهم، دون أن يعتبر انسحابهم بمثابة خطأ[24]. هذا
السؤال بدوره يحيلنا على الفصل 738 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أنه
«وهو يسأل عن النتائج المترتبة عن عدم مراعاة التعليمات التي يتلقاها إذا كانت
مريحة، ولم يكن له مبرر خطير يدعوه لمخالفتها، وإذا وجد هذا المبرر لزمه أن يخطر
به رب العمل وأن ينتظر تعليماته، ما لم يكن في التأخير ما تخشى عاقبته».
وتجدر الاشارة الى ان المادة 24 من مدونة الشغل نصت على
ضرورة أن يتخذ المشغل جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم، كما نصت
كذلك المادة 497 من مدونة الشغل بأنه لا يمكن اللجوء إلى أجراء مقاولة التشغيل
المؤقت من أجل إنجاز أشغال تكتسي خطورة خاصة.
فمن خلال الفصل 738 من قانون الالتزامات و العقود يتبين
أنه في حالة تعرض الأجير لخطر يهدد سلامته البدنية كاشتعال النار في مكان العمل أو
تسرب غازات سامة أو تعرض لهجوم من عصابة مسلحة يمكنه الانسحاب من مكان العمل
ومخالفة تعليمات المشغل الذي تلزمه بالبقاء في مكان العمل دون إخطاره بذلك مادام
أن الانسحاب هو الحفاظ على السلامة البدنية للأجير، لأن كل تأخر في المغادرة سيعرض
حياته للضرر[25].
كما يتضح ذلك من خلال المادتين المذكورتين أعلاه (24 –
497) من مدونة الشغل الأجير قد يكون أمام ضرورة الانسحاب من عمل متسم بخطورة خاصة
ولا يعقل أن يبقى الأمر مقتصرا على أجير مقاولة التشغيل المؤقت بل كذلك الأمر
بالنسبة لأي أجير.
ومن جهة أخرى فإن الأجير الذي يغادر مقر العمل لخطلر
يهدد سلامته البدنية لايعد رفضه للعمل عن عمد و بدون مبرر، و إنما تركه عن آضطرار
و مبرر جديو مشروع و هو الحفاظ على السلامة البدنية لهذا فإن هذه المغادرة تعتبر
حقا جوهريا للأجير و المتمثلة في حماية سلامته البدنية كحق من حقوقه الشخصية.
وبناء عليه يتضح من خلال النصوص المشار اليها اعلاه ان
الحماية التي يجب ان يتمتع بها الاجير داخل المقاولة واثناء تنفيذ عقد الشغل فيما
يتعلق بسلامته البدنية غير كافية نظرا لعدم وجود نص صريح يبين ذلك حتى تعتمده
المحاكم المغربية في هذا الاطار.
المبحث
الثاني : حقوق الأجير
المرتبطة بكيانه الفكري :
يعتبر عنصر الأجراء أمر ضروري لسير المقاولة أو المؤسسة[26]، إذ
يلعب الأجير دور محوري رئيسي للنهوض بالحياة الاقتصادية داخل المقاولة، كما يساهم
في تنميتها وتطورها ويجعلها تحقق استمرارها، سواء على مستواها الداخلي أو الخارجي،
إلا أنه في المقابل لا يمكن تحقيق هذا المبتغى خاصة في غياب نصوص تنظم حقوق شخصية
مهمة كحق الأجير في حرية التعبير والمعتقد الديني (المطلب الأول) وكذا
حماية الأجير في حمايته المشروعة المرتبطة باختراعه وإبداعه داخل المقاولة (المطلب
الثاني).
المطلب
الأول : الأجير وحقه في
ممارسة حريتي التعبير والمعتقد :
إذا كان بالفعل أن حرية التعبير وكذا حرية المعتقد من
الحقوق الشخصية التي يحق للأجير أن يمتلكها فإن هذه الحقوق ترد عليها مجموعة من
القيود وبالتالي فهي ليست مطلقة، وعليه فإننا نتساءل إلى أي حد يستطيع الأجير أن
يمارس حقه في التعبير؟ وهل بإمكانه أن يمارس حق المعتقد الديني داخل المقاولة؟ هذا
ما سنعمل على تبيانه من خلال فقرتين اثنتين :
الفقرة
الأولى : حق
الاجير في ممارسة حرية التعبير
مما لاشك فيه أن المفهوم المتفق عليه في شأن حرية
التعبير هو حرية في التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام والكتابة أو عمل
فني بدون رقابة أو قيود حكومية، بشرط أن لا يشمل طريقة ومضمون الأفكار والآراء ما
يمكن اعتباره خرقا لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير،
ومن خلال هذا المفهوم يتبادر على ذهننا سؤال عن إمكانية الأجير في التعبير
باعتباره فرد من الأفراد المجتمع؟ أم أن هذا الأمر مقتصرا على الأشخاص العاديين
دون الأجراء داخل المقاولة؟
جوابنا على هذه الأسئلة هو أنه بالرجوع إلى مدونة الشغل
نجدها أغفلت هذا الحق كحق شخصي للأجير، وكذلك نجد أن الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان في فصله 19 لم ينص هو الآخر على هذا الأمر، بل أكثر من ذلك فإن دستور
المملكة لم يعطي للأجير حق حرية التعبير، وإنما نص في الفصل 25 منه وبالضبط في
الفقرة الأولى على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها، ومن ثم فإن
كان من المفروض أن الحق في التعبير داخل علاقات الشغل يعطي للأجير إمكانية التعبير
المباشر عن أرائه وأفكاره المتعلقة بالعمل المنجز أو يطرح إمكانيات لتطوير المنتوج
أو تغيير ظروف العمل مهما كانت رتبة الأجير والنشاط الذي يقوم به، فله كذلك أن
يعبر عن عدم ارتياحه وتظلمه عن طريق تقديم شكاوى ضد المشغل، وكل منع بموجب النظام
الداخلي أو بند في العقد يتعين أن يعتبر غير شرعي كونه يمس حقا من حقوق الشخصية
للأجير.
إلا أن الواقع يقضي بخلاف ذلك فبالرجوع إلى مدونة الشغل
نجدها وكما سبقت الإشارة إلى ذلك أنها لم تتضمن ممارسة هذا الحق إلا في الإطار
الجماعي، بخلاف المشرع الفرنسي الذي اعتبر أنه يمكن للشخص بصفته أجير أن يستفيد من
التعبير المباشر أو الجماعي.
ومن الممكن أن يتم تأطير هذا الحق بين الطرفين (الأجير
والمشغل) وذلك بإبرام اتفاق بينهما يخول للأجير الحق في التعبير الفردي داخل
المقاولة إلا أن هذا الأمر بعيد عن الواقع، إذ يقف في مواجهة حق المشغل في تسيير
وتدبير المقاولة، وفق ما يراه مناسبا ووفق ما تقتضيه المقاولة. وقد يرى المشغل أن
منح الأجير حرية التعبير من شأنه أن يؤدي إلى إفشاء السر المهني والتي ينتج عنه
ضرر المقاولة. ويؤدي بالأجير إلى عقوبات قد تكون نتائجها وخيمة عليه.
وأمام غياب اجتهادات قضائية وطنية تبين مدى حدود ممارسة
هذا الحق في حالة الاعتراف به تشريعيا، نلاحظ على أن القانون المقارن – القضاء
الفرنسي – قد أكد على أن الأجير لا يمكنه أن يتجاوز الحدود المرسومة لهذه الحرية
وذلك مثلا عن طريق توجيه انتقادات أو سب رؤسائه بالعمل. وفي حالة تجاوز هذه الحدود
فإنه قد يؤاخذ بالتعسف في استعمال الحق وهذا قد يبرر طرده.
وعموما فإن الأجير حفاظا على مكانته داخل المقاولة
يستوجب منه الأمر الحفاظ على أسرار هذه الأخيرة سواء داخل المقر أو خارجه لكيلا
يساعد مقاولة أخرى على معرفة أسرار تساهم في منافستها. وبالتالي فعليه تجنب ما قد
يضر بمصالحها خصوصا عندما تتعارض حرية التعبير مع مبدأ حفظ الأسرار.
ويمكن القول في الأخير أن الأجير باعتباره فرد يمثل
مقاولة، فواجب عليه بذل جهد أكثر من أجل استمرار المقاولة في عملها وهذا فيه مصلحة
له ولباقي الأجراء، ذلك من خلال الابتعاد عن التعسف في استعماله ما قد يضر بمصالح
المقاولة، وفي مقابل هذا أيضا لابد من اعتراف له بحق في حرية التعبير وذلك من خلال
تقنين نص تشريعي يؤكد على ذلك لأنه آن الوقت للاعتراف للأجير في بلادنا بالحق في
التعبير المباشر الفردي بعيدا عن تمثيليات النقابية.
الفقرة
الثاني : حرية
المعتقد داخل المقاولة :
إذا كان المقصود من حرية المعتقد هو كون الشخص حر في
اعتناق ما شاء من الأفكار والتصورات الكون والحياة... وإذا كان إعلان هذا التصور
يجب أن يكون دون إكراه أو ضغط في اعتناق عقيدة معينة أو تغييرها بأي وسيلة من
وسائل الإكراه، وإذا كانت حرية العقيدة هذه حرية الاعتقاد الديني من جهة وأن يكون
اعتناق هذه العقيدة مبني على إقناع عقلي واطمئنان قلبي من جهة أخرى[27]، فهل
للأجير باعتباره شخص داخل المقاولة سواء الوطنية أو الأجنبية أن يحترم معتقده
الديني أثناء تأدية عمله، أم أن هذا الأمر يبرز إشكالات لدى المشغل خاصة إن كان
هذا الأخير يختلف في ديانته عن الأجير؟.
يبدو أن حرية المعتقد الديني أصبحت تجد مكانتها داخل
المقاولة اعتمادا على قانون الشغل والاتفاقات الجماعية، وأحيانا حتى من خلال
الشروط المدرجة بالعقد، وعليه ينبغي عدم جواز إخضاع الأجير لوسيلة من وسائل
الإكراه التي تؤدي إلى تعطيل حريته في الانتماء إلى دين معين، إلا أنه يجوز إخضاع
حريته في التعبير عن ديانته أو معتقده للقيود المنصوص عليها في القانون وذلك بهدف
حفظ النظام العام وحماية مصالح المقاولة وكذا حقوق الآخرين، وللإشارة فإن حق
ممارسة المعتقدات الدينية طرح العديد من الإشكالات حيث كانت دائما محلا للاعتداءات
صارخة أكثر من الاعتداءات التي تقع لباقي الحقوق الشخصية الأخرى.
ولهذا السبب عملت بعض المقاولات تكريس الحياد الديني أو
وضع المقاولة قيود بموجب عقد الشغل أو بنودا بنظامها الداخلي كتنظيم اللباس ومنع
حمل الشارات الدينية أو ترويج التعاليم الدينية والعقائدية. وذلك من أجل ضمان
احترام أفكار ومعتقدات أطراف العلاقة الشغيلة وضمان عدم اصطدامها بمصالح المقاولة،
أو معتقدات الزبائن أو المفاضلة بين ديانات الأجراء.
إلا أن هذا لا يعني عدم احتفاظ الأجير لخصوصيته، إذ
العكس من ذلك حيث أن الأجير له اعتقاد وضمير وفكر، وليس مطلوبا منه أن يؤمن بنفس
المعتقدات التي يؤمن بها مشغله أو بنفس التوجهات وليس ملزم كذلك بأن يتقاسم مع
المشغل أفكاره ومعتقداته، وله أن يتبنى آراء وأفكار مختلفة ما لم تكن هذه الأفكار
والمعتقدات محل اعتبار عند التعاقد[28].
وبالعودة إلى جانب من الاجتهادات القضائية الفرنسية في
هذا المجال نجدها قد ساندت التوجه الذي يقضي بإبعاد الدين عن المقاولة مؤيدا مبدأ
الحياد الديني من خلال العديد من القرارات ومعتبرة أنه إذا كان صحيحا أن المشغل
عليه أن يحترم المعتقدات الدينية لأجرائه فإنه ما لم ينص في عقد الشغل أو النظام
الداخلي على تقليص ممارسة العنصر الديني أو تصعيده مثال : تخصيص جزء من وقت العمل
لممارسة الأجير لصلاته، أو تخويل الإذن المسبق للتغيب في بعض المناسك الدينية،
فالمشغل قد لا يكون ارتكب خطأ يطلبه من الأجير ممارسة المهام التي من أجلها تم تعينه.
ومن أبرز القرارات الفرنسية الصادرة في هذا الشأن نجد
قرار صادر عن استئنافية تولوز في 9 يونيو 1997[29]، في
حق ناشط يعمل بمركز للترفيه والذي يقضى بوجوب الالتزام بالحياد الديني واعتبرت أنه
بتوزيعه للإنجيل على الأطفال يكون ارتكب خطأ جسيم.
كما أبانت
الممارسة الدينية بالمقاولة المغربية على هذا الدور، ذلك من خلال الشركات المتعددة
الجنسيات إذ قضت الغرفة الاجتماعية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بأن غياب
العامل لأداء الصلاة دون إذن صاحب العمل لا يشكل خطأ يستوجب فصله[30].
وعليه إذا كانت حرية التدين مضمونة بموجب الدستور،
وبموجب قانون الشغل فإن التبعية الناتجة عن عقد الشغل تفرض على الأجير أن لا
يتجاهل المصالح المادية والمعنوية للمقاولة التي يعمل لصالحها لاعتبار الموازنة
بين المصلحتين تعد أمرا ضروريا، رغم أن المشرع نص في المادة 9 من مدونة الشغل على
العديد من الحقوق والحريات ومنها منع تمييز بين الأجراء من حيث العقيدة.
المطلب
الثاني : حقوق الأجراء
الشخصية المرتبطة باختراعاتهم وإبداعاتهم داخل المقاولة :
عرف تطور الحياة الإنسانية نوعا آخر من الحقوق ينتمي إلى
الحقوق الشخصية، غير أنه يحمل جانبين مادي وغير مادي، وهذا النوع من الحقوق هو ذاك
الذي يرد على الإنتاج الذهني أو الفكري.
وعليه فإننا سنتناول هذه الحقوق من خلال حماية حق الشخصي
للأجير المخترع (الفقرة الأولى) ثم نتطرق إلى صيانة الحقوق الشخصية
المرتبطة بإبداعات الأجير وذلك في (الفقرة الثانية).
الفقرة
الأولى : حماية
الحق الشخصي للأجير المخترع:
إن علاقات الشغل في وقتنا الراهن أضحت مجالا خصبا لمختلف
أنواع الابتكارات التي يتم التوصل إليها في إطار عقد الشغل، ذلك أن صاحب المؤسسة
يسعى دائما إلى تحسين قدرته الإنتاجية والتنافسية، لذلك يدخل في تعاقدات مع مجموعة
من الأجراء المخترعين الذين بدورهم يسعون إلى الحصول على منصب شغل يدر عليهم
الدخل.
وبذلك تكون الاختراعات التي يمكن أن يتوصل إليها الأجير
تتميز بتقابل بين قانونين هما : قانون الشغل الذي يتميز بوجود علاقة تبعية بما
تفرضه من التزام الأجير بتنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة عن مشغله وأداء الشغل
المتفق عليه، مقابل أجر يدفع له من جهة، وقانون الملكية الصناعية الذي يفيد حق
المخترع في مختلف الحقوق المترتبة عن اختراعه من جهة أخرى.[31]
وهكذا فالرابطة الشغلية القائمة بين الأجير والمشغل،
تجعل من حيث المبدأ بذل نشاط الأول لفائدة الثاني، وذلك في إطار المؤسسة التي يعمل
لصالحها، فهذه الأخيرة أي المؤسسة تتوفر على مصلحة خاصة بالبحوث وتوفر جميع
الأدوات والمواد للأجير، الذي يبقى على عاتقه السعي نحو اكتشاف الاختراع.
وعليه فإننا نتساءل إلى من سيسند هذا الاختراع، فهل
ستبقى في ملكية الأجير الذي وظف مجهوده الذهني والفكري لإخراج هذا الاختراع إلى
الوجود، وبالتالي حماية الملكية الصناعية باعتبارها مغايرة للعمل اليدوي المألوف
أم ستسند للمشغل الذي وضع مؤسسته وأدواته ومصلحته للأجير باعتباره عاملا يتقاضى
أجر مقابل هذا الجهد؟.
للإجابة عن هذا التساؤل يمكننا البحث في القوانين
المنظمة لهذا المجال :
حيث نجد أن قانون الشغل جاء خاليا من أية مقتضيات
قانونية لحماية الاختراعات التي يتوصل إليها الأجراء في إطار تنفيذ عقد الشغل،
ويحفظ حقوقهم الصناعية، لذلك نبحث في قانون الملكية الصناعية الذي بمقتضاه نظم
المشرع الملكية الصناعية وكذا مصير اختراعات الأجراء.
وهكذا نجد المادة 18 من القانون المذكور تنص على أنه :
«إذا كان المخترع أجيرا فإن الحق في سند الملكية الصناعية يحدد وفق القواعد
التالية ما لم ينص على شرط تعاقدي أكثر فائدة بالنسبة إلى الأجير :
أ- تعتبر ملكا للمشغل الاختراعات التي حققها الأجير خلال
تنفيذه إما لعقد عمل يتضمن مهمة إبداعية تطابق مهامه الفعلية وإما لدراسات وأبحاث
مستندة إليه بصريح العبارة. وتحدد في الاتفاقيات الجماعية وعقود الشغل الفردية
الشروط التي يستفيد ضمنها الأجير صاحب الاختراع من أجرة إضافية».
ويلاحظ من خلال هذه الفقرة أن المشرع اسند ملكية
الاختراع للمشغل بناء على أمرين :
الأمر الأول : عندما تكون المهمة الإبداعية تطابق المهام
الفعلية للأجير بمعنى آخر عندما تدخل في صميم مهامه
الأمر الثاني : عندما تدخل في صميم مهامه، ولكن تم
إسنادها إليه صراحة. ولتوضيح أكثر فملكية الاختراع تعود للمشغل عندما يكون الأجير
مرتبط معه بعقد يلتزم بمقتضاه بالاختراع، وفي إطار عقد الشغل.
غير انه اذا كان المشرع اسند بشكل صريح للمشغل الاختراع
الذي توصل اليه الاجير فانه حاول ان يحميه في حالة توصل الى الاختراع بشكل حر أو
توصل اليه في اطار المساهمة بينهما مالم يكن قد اتفقا مسبقا على ذلك وهو ما يشار
اليه بالاختراع الحر،حيث نص في نفس المادة
على انه جميع الاختراعات الاخرى ملكا للاجير، غير أنه إذا قام أجير باختراع من الاختراعا، إما أثناء قيامه بمهامه وإما في إطار نشاط المنشأة أو بمعرفة أو استعمال تقنيات أو وسائل، خاصة بالمنشأة أو بفضل معطيات وفرتها له، وجب على الأجير أن يخبر فورا مشغله بذلك في تصريح مكتوب يوجه في رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسلم.
و للمشغل أجل ستة أشهر من تاريخ تسلم التصريح المكتوب الآنف الذكر قصد السعي للحصول على ملكية مجموع أو بعض الحقوق المرتبطة باختراع أجيره أو الانتفاع بها عن طريق إيداع طلب براءة لدى الهيئة المكلفة بالملكية الصناعية. على أن الاختراع ينسب بقوة القانون إلى الأجير إذا لم يقم المشغل بإيداع طلب البراءة داخل الأجل المشار إليه أعلاه.
يجب أن ينال الأجير عن ذلك ثمنا عادلا تتولى المحكمة تحديده إذا لم يحصل في شأنه اتفاق بين الطرفين، وتراعي المحكمة جميع العناصر التي يمكن أن يقدمها إليها بوجه خاص المشغل والأجير، قصد تحديد الثمن العادل باعتبار المساهمات الأولية المقدمة من الطرفين ورعيا لما يعود به الاختراع من منفعة صناعية وتجارية.
اذن يتضح من خلال هذه المادة ان المشرع عمل على
حماية الاجير عندما يقوم باختراع حر وذلك من خلال نصه على ان جميع الاختراعات الاخرى ملكا للأجير أي في
حالة كان هناك اختراع حر فان ملكية البراءة تبقى في يد الاجير وكذا اختراعه
اما الجزء الاخر من الفقرة نفسها تشير إلى الاختراع
العرضي أو المختلط الذي يأتي نتيجة أعمال وأبحاث يقوم بها الأجير خارج المؤسسة،
وقد يكون ذات اتصال بالعمل الذي يؤديه، فالعنصر المضاف لهذه الحالة، أن الاختراع
لم يتم بوسائل المشغل والأجور المؤداة للأجير لم تكن قصد إجراء البحوث، وإنما للعمل
بالمؤسسة فقط، حيث توصل إلى اختراع عرضيا أو بالصدفة بسبب مواد أو معلومات التي
يستعملها عادة في المؤسسة[32].
وتجدر الملاحظة في هذا الصدد أن المشرع المغربي في
المادة أعلاه حاول أن يميز بين الشيء المُخْتَرَع أي الشيء المادي المحسوس وبين المعنوي
أو اسم المُخْتَرِع. حيث نجده يسند إلى المشغل فقط استغلال واستفادة من ملكية
الاختراع أي الشيء المخترع. أما الحق المعنوي أي اسم المخترع يبقى مملوك لصاحبه أي
الأجير، وذلك بصريح المادة 20 من قانون الملكية الصناعية التي جاء فيها «يشار إلى
المخترع أجيرا كان أم لا بهذه الصفة في البراءة، وله كذلك أن يعترض على هذه
الإشارة».
فهذا الحق المعنوي يبقى محمي، رغم إسناد ملكية الاختراع
للمشغل الذي اخترع تحت تبعيته وداخل مؤسسته وتقاضى مقابل ذلك الاختراع، فقد أحسن
المشرع عندما نص على حماية براءة الاختراع للأجير، إلا أن وفق الشطر الثاني من
المادة 20 يستشف أن للأجير إمكانية تنازل عن حقه هذا بإرادته متى فضل أن يظل اسمه
غير معروف. غير أن ما يعاب عن صياغة هذه المادة هو أنها لم تحدد الكيفية التي يمكن
أن يقع بها هذا التنازل مما قد يؤدي إلى إهدار حقوق الأجير، وذلك على خلاف نظيره
الفرنسي الذي اشترط الكتابة عند التنازل وإما اتفاق لاحق عن الاختراع.
كما نعيب أيضا على المشرع من خلال اعتباره في المادة 18
أن ما يتوصل إليه الأجير من براءات الاختراع تكون مقابل ثمن ذلك، حيث هذه المادة
تناقض ما جاء في ديباجة مدونة الشغل التي نصت على أنه «العمل ليس بضاعة والعامل
ليس أداة من أدوات الإنتاج».
وتجدر الإشارة كذلك إلى أننا لم نجد أي قرار قضائي بهذا
الخصوص على عكس ما هو عليه الأمر في الاجتهاد القضائي الفرنسي حيث تم صدور قرارات
وأحكام في هذا الأمر.
كالقرار الصادر عن محكمة باريس بتاريخ 4 نونبر 1993 يفيد
بأن «عدم ذكر المخترعين في طلب البراءة يعتبر اعتداء على الحقوق المعنوية للعمال
المخترعين من طرف مؤسسة بريستول».
الفقرة
الثانية : صيانة
الحقوق الشخصية المرتبطة بإبداعات الأجير:
إلى جانب الحقوق الشخصية السالفة الذكر أصبحت حماية
الحقوق الفكرية للأجير تتطلب كذلك أهمية كبرى، لأن الإنتاج أضحى يرتكز بشكل كبير
على الإبداع، لذلك نجد مجموعة من الإبداعات الفكرية للأجراء تتم في إطار عقد
الشغل، حيث يتزايد عدد المبدعين الذين بحكم النظام المطبق عليهم يعتبرون أجراء،
خاصة في ميدان الصحافة والتلفزة... بالإضافة إلى العديد من المقاولات التي تشغل
مبدعين وتنتظر منهم عملا إبداعيا بصفة مستمرة مقابل حصولهم على شغل قار.
وبما أن طبيعة حقوق المؤلف الفنية والأدبية باعتبارها
تجسد نشاط الشخصية الإنسانية تتجاوز مفهوم أداء الشغل، فإن المشرع المغربي حاول
قيام نوع من التوازن بين حقوق الأجير في إبداعاته وحقوق المشغل الذي يوفر الوسائل
التقنية واللوجستيكية للأجير المبدع، وكذلك يدفع له مقابل عمله.
لذا فإن المشرع المغربي لم ينص في مدونة الشغل على مثل
هذا العمل وإنما نظمه في إطار قانون 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
وهكذا نجد في المادة 35 ينص على أن «في حالة مصنف[33] أنتج
من قبل مؤلف لحساب شخص ذاتي أو معنوي يسمى فيما بعد "المشغل" في نطاق
عقد عمل وداخل تشغيله للخصم، إلا إذا كانت هناك حول هذه المصنفات مقتضيات مخالفة
ينص عليها العقد، يعتبر المؤلف المالك الأول للحقوق المعنوية والمادية، ولكن
الحقوق المادية حول هذا المصنف تعتبر محولة إلى المشغل في الحدود التي تبررها
الأنشطة المعتادة للمشغل أثناء إبداع المصنف».
فهذه المادة أعطت للمشغل الاستفادة من الموارد المادية
للمصنف لكن الحقوق المعنوية للمؤلف تبقى رهينة به، إذ أن المهمة الأساسية للحماية
هنا هو الحق المعنوي وهو ما جاءت به المادة المذكورة أعلاه. كما أنه بمقتضى هذه
الحقوق يستطيع المصنف أن يكون مقاومة فعالة في مواجهة كل تحريف أو تشويه قد يطاله.
إضافة على المادة 35 فهناك المادة 31 من نفس القانون
تحمي حقوق المؤلف وتخول له الحق في الاستفادة من إبداعه ماليا ومعنويا، حيث جاء
فيها : «يعتبر المؤلف المالك الأول للحقوق المعنوية والمادية لمصنفه»، فمن خلال
هذه المادة يستطيع المؤلف تحصيل العائدات المالية كنوع من المكافأة عما قام به من
جهد، وذلك عن طريق تخويله حقا استئثاريا في استغلال مصنعه في شكل حقوق مادية.
وكذلك يكون المشرع المغربي جعل لإبداعات الأجير سواء في
علاقة الشغل أو كان حرا لها حماية خاصة.
? خـاتمــة :
وانطلاقا مما سبق، يمكن القول أن عدم وجود قاعدة قانونية
في القانون المغربي تنظم سائر الحقوق والحريات الشخصية للأجراء أمر صعب، إذ يجب
على المشرع أن يبذل قصارى جهده لوضع ذلك النص، ومنه توفير الحماية بشكل صريح، من
خلال التنصيص على منع كل اعتداء على الحقوق والحريات الشخصية، كما هو الحال لقانون
الشغل الفرنسي الذي منع تقيد الحقوق والحريات الشخصية للأجير الفردية والجماعية ما
لم يكن ذلك مبررا بطبيعة العمل المطلوب إنجازه أو مناسبة للهدف المراد تحقيقه.
هذا فضلا عن الدور الذي يجب أن يلعبه الاجتهاد القضائي
عند نظره في القضايا التي يكون موضوعها الاعتداء على الحقوق والحريات الشخصية
للأجير، إذ ننتظر منه في هذا الصدد جرأة وفعالية أكثر لتأكيد سمو هذه الحقوق.
وفي المقابل كذلك فإن الأجير عند ممارسته لحقوقه وحرياته
الأساسية لا ينبغي عليه أن يتجاوز الحدود الناجمة عن طبيعة الحق والحرية. كما يجب
مراقبة المشغل في استعماله للسلطة في تسيير المقاولة، والتي يمكن أن تكون سبب
رئيسي في هضم حقوق الأجراء.
لائحة المصادر والمراجع
1. الكتب
أبو السعود (رمضان): "الوسيط في شرح مقدمة القانون المدني، المدخل إلى
القانون وبخاصة المصري واللبناني، النظرية العامة للحق "، بيروت، الدار
الجامعية للطباعة والنشر بدون سنة.
الكشبور (محمد) : "الوسيط في شرح مدونة الأسرة" – الكتاب
الأول : عقد الزواج، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية 2009.
بناني (محمد
سعيد): "قانون الشغل بالمغرب – علاقات الشغل الفردية"، الجزء الأول،
الطبعة الأولى، الدار البيضاء 2005.
بنحساين (محمد) : "حماية
الحقوق الشخصية في قانون الشغل ، مطبعة تطوان، طبعة 2015.
بنحساين (محمد) : "حماية حقوق الشخصية في علاقة الشغل
بالمغرب"، الطبعة الأولى، مطبعة طوب بريس، 2006.
خالفي (عبد اللطيف) : "الوسيط في مدونة الشغل"الجزء الول ،علاقات
الشغل الفردية ،المطبعة والورقة الوطنية
2004.
2.الرسائل و الأطروحات :
المواق (آسية) : "عقد الشغل وحقوق الأجير الشخصية"، رسالة
لنيل الماستر في العلوم القانونية، تخصيص قانون الأعمال، جامعة محمد الخامس، كلية
العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال – الرباط، السنة الجامعية 2008 –
2009.
النقاب (عبد اللطيف) : "الحماية
القانونية لحقوق الأجراء الشخصية في القانون المغربي"، رسالة لنيل دبلوم
الماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2010 – 2011.
بزاوي
(الصديق) : قانون الشغل المغربي و
مبدا استقرار علاقات الشغل، أطروحة لنيل الدكتورة في القانون الخاص، كلية الحقوق
الدار البيضاء 2004.
كتبي (الحسن): الحماية القانونية للحياة الشخصية للأجير، تقرير لنيل
دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني كلية العلوم
القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية عين الشق، السنة الجامعية 2008/2009.
المقالات:
بنحساين (محمد) : "حق الأجير في اختيار مظهره"، مجلة القانون
المغربي، عدد 10.
المواقع الالكترونية
"حرية العقيدة مفهومها تأصيلها وحكمها"، منشور
بموقع www.blogsaeed تاريخ النشر: 1 نوفمبر 2010، على الساعة 15.00،
تاريخ الإطلاع : 24/04/2016 على الساعة 11.30.
"قانون الشغل، الحياة الخاصة
للأجير"، مجلة قانون الأعمال، تاريخ النشر ماي 2015 على الساعة 10 صباحا،
منشور في الموقع : www.drsitetentre.pris.org
تاريخ الإطلاع 19/04/2016 على الساعة 15.50.
[1]القانون رقم 65.99 المتلق بمدونة الشغل الصادر بتنفيذه الظهير الشريف
رقم 1.03.194 بتاريخ 11شتنبر 2003 .جريدة الرسمية عدد 5167 بتاريخ 8 دجنبر 2003 .
[4] - رمضان أبو السعود : "الوسيط
في شرح مقدمة القانون المدني، المدخل إلى القانون وخاصة المصري واللبناني، النظرية
العامة للحق "، بيروت، الدار الجامعية للطباعة والنشر بدون سنة، ص: 500.
[5] - عبد اللطيف النقاب :
"الحماية القانونية لحقوق الأجراء الشخصية في القانون المغربي"، رسالة
لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2010 – 2011، ص: 13.
[6] - عبد اللطيف الخالفي : الوسيط في
مدونة الشغل، الجزء الأول علاقات الشغل الفردية، المطبعة و الورقة الوطنية، 2004، ص: 265.
[7] - محمد الكشبور : "الوسيط في
شرح مدونة الأسرة" – الكتاب الأول : عقد الزواج، مطبعة النجاح الجديدة،
الطبعة الثانية 2009، ص: 144.
[10] - قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد
1700 بتاريخ 20 يوليوز 1983 في الملف المدني عدد 93241، منشور بمجلة الملحق
القضائي عدد 20 ص204.
[11] - محمد بنحساين : "حماية حقوق
الشخصية في علاقة الشغل بالمغرب"، مطبعة طوب بريس، الطبعة الأولى 2006، ص:
53.
[17] - تنص الفقرة الاولى من المادة 24
من مدونة الشغل على : "يجب على المشغل بصفة عامة أن يتخد جميع التدابير
اللازمة لحماية سلامة الاجراء و صحتهم و كرامتهم لدى قيامهم بالأشغال التي
ينجزونها تحت إمرته، و أن يسهر على مراعاة حسن السلوك و الاخلاق الحميدة و على
استتباب الآداب العامة داخل المقاولة...."
[20] - ينص الفصل 483 من القانون
الجنائي : «من ارتكب علينا بالحياء، وذلك بالعري المعتمد أو البذاءة في الإشارات
أو الأفعال يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من 120 إلى 500 درهم، ويعتبر
إخلال علنيا من كان هذا الفعل كونه قد ارتكب بمحضر قاصر دون 18 سنة من عمره أو في
مكان تتطلع إليه أنظار العموم».
[21] - ينص الفصل من القانون الجنائي :
«الاغتصاب هو مواقعة رجل لإمرأة دون رضاها ويعاقب عليه بالسجن من 5 إلى 10 سنوات.
إذا كان سن المجني عليها أقل من 15 سنة فإن العقوبة هي
السجن من 10 إلى 20 سنة».
[22] - قرار محكمة الاستئناف بالدار
البيضاء – ملف عدد 5382/2005 – مؤرخ في 17 ماي 2007، منشور في مجلة المحاكم
المغربية، عدد 109، سنة 2007.
[23] - الحسن كتبي، الحماية القانونية
للحياة الشخصية للأجير، تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون
الخاص، جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية عين
الشق، السنة الجامعية 2008/2009، ص81.
[25] - بزاوي الصديق : "قانون
الشغل المغربي ومبدأ استقرار علاقات العمل"، أطروحة لنيل الدكتوراه في
القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – الدار البيضاء،
السنة الجامعية 2004 – 2005، ص: 232.
[26] - محمد سعيد بناني : "قانون
الشغل بالمغرب – علاقات الشغل الفردية"، دون ذكر مطبعة، طبعة 1981، ص: 93.
[27] - "حرية العقيدة مفهومها
تأصيلها وحكمها"، مقال منشور بموقع www.blogsaeed تاريخ النشر: 1 نوفمبر 2010، على الساعة 15.00،
تاريخ الإطلاع : 24/04/2016 على الساعة 11.30.
[28] -: "قانون الشغل، الحياة
الخاصة للأجير"، منشور في الموقع www.drsitetentre.pris.orgتاريخ النشر ماي 2015 على الساعة 10 صباحا، تاريخ الإطلاع 19/04/2016 على
الساعة 15.50.
[29] - المواق آسية : "عقد الشغل
وحقوق الأجير الشخصية"، رسالة لنيل الماستر في العلوم القانونية، تخصص قانون
الأعمال، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية،
أكدال – الرباط، السنة الجامعية 2008 – 2009.
[30] - قرار عدد 2412 صادر بتاريخ 4
يونيو 1995 عن الغرفة الاجتماعية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مجلة المحاكم
المغربية عدد 75 ماي – يونيو 1995، ص: 86.
[33] - يقصد بالمصنف حسب مقتضيات المادة
الأولى من قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة «كل إبداع أدبي أو فني بالمعنى الذي
تحدده المادة الثالثة أدناه، وتنص المادة الثالثة من هذا القانون : يسري هذا
القانون على المصنفات الأدبية والفنية المسماة فيما بعد "مصنفات" التي
هي إبداعات فكرية أدبية في مجالات الأدب والفن».
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق